الثلاثاء، 30 أبريل 2013

حياة احمد شوقي وثقافتة الجزء الثالث

الفصل الرابع

أولاً : الدعوة إلي العلم والمعرفة
لا تكاد تخلو قصيدة وطنية في الشوقيات من التنويه بالعلم قديما وحديثا ،
فبالعلم أشعت مصر قديما علي مختلف الأصقاع حتي لهج الناس بفضلها ، وبالعلم
اكتسح العرب قديما أعظم الحضارات ، فلما أبتلي العقل العربي بالجمود
والانحطاط وانتابه الجهل كالداء العضال فرط في مكتسباته . ولهذا اقترنت في
شعر شوقي دعوتان متلازمتان : الدعوة إلي كسب العلم ، والدعوى إلي محاربة
الجهل في شتي أشكاله .

أما الدعوة المكملة للعلم ، فهي ضرب الحصار علي الجهل أينما كان ، وإيصال
العلم إلي كل فرد ومساعدته علي متابعة تحصيله ولا غرابة فصوت المصلحين قد
جعل العلم كالماء والهواء ينبغي أن يتمتع به كل إنسان وما كان لشوقي أن
يغفل عن دور الجهل في تركيز دعائم الاستعمار وتمكين دائه في جسم الشعوب
وعقلها وروحها :
 كالجهل للشعوب مبيدا          إني نظرت إلي الشعوب فلم أجد

وإذا علمنا أن مصر وسائر البلاد العربية ارتفعت فيها أصوات حرة تدعو إلي
التعليم وتمقت الجهل ، علمنا أن هذه الأصوات لم تجعل الفتاة بمعزل عن
العلم ، واعتبرت عقل الفتاة إذا تعلم سرب المعرفة إلي الناشئة وبث فيهم
روح الوطنية ، ومن هذه الأصوات صوت قاسم أمين في مصر والطاهر الحداد في
الجزائر ، وكان شوقي مساندا لقاسم أمين في دعوته إلي تعليم الفتاة وقد أكد
قناعته بما رآه من آيات المعرفة عند المرأة في الحضارة العربية الإسلامية
، فدعا إلي استعادة تلك الأمجاد ، وغلي صقل عقول الفتيات :

وحضارة الإسلام تنط           ق عن مكان المسلمات
بغداد دار العالمات  ومنزل المتأدبات  
 أم الجواري النابغات      ودمشق تحت أمية

وكما أدرك شوقي قيمة المتعلم أدرك أيضا قيمة المعلم الذي ينقل العلم جيلا
بعد جيل ، ويفتح أكمام العقول ، وينير السبيل بمصباح العلم ، فخص في فضل
المعلم قصيدا مطولا نوه فيه بفضائله ، وعد منزلته تضاهي الرسل والأنبياء
فحمله عبء هذه الأمانة وحمل الناس واجب تبجيله :
 كاد المعلم أن يكون رسولا      قم للمعلم وفيه التبجيلا
أعلمت أشرف أو أحل من الذي  يبني وينشئ أنفسا وعقولا ؟

تلك هي في نظرنا أهم المعاني الوطنية في شعر شوقي فخر بمصر حضارتها
وأمجدها ، وولاء لها وتفان في حبها ومناضلة الاحتلال من أجلها وإشادة
بجهاد زعمائها وأبطالها ودعوة حارة إلي وحدة أبنائها ومنافحة صادقة عن
معتقداتها ودفاع مستميت عن دساتيرها وأسباب مناعتها وغيره شديدة علي
الإسلام وحياضه والأمة العربية وأرضها وكيانها سبيل كل ذلك علم ينير
العقول ويبصر القلوب فتقوي الأمة وتسترد مجدها وسناءها .

ثانياً : الخصائص الفنية في وطنيات شوقي


تعرضنا سابقاً إلي معاني الوطنية في شعر أحمد شوقي وهي معاني حضارية
وثقافية وسياسية وأخلاقية – اقتضت خصائص فنية وأساليب شعرية تهبها تألقاً
وجمالاً وقوة في التأثير ووجاهة في الإقناع .

ثالثاً : بناء القصيدة

جاءت أغلب قصائد شوقي الوطنية ذات بناء كلاسيكي يذكرك بالقصيدة الجاهلية
مستجيبة تقريباً لعمود الشعر الذي نبه إليه قدامه بن جعفر رغم حداثة
الموضوع الذي ينظم فيه . فأنت مازلت تجد الوقفة الطللية ومازلت تجد الحديث
عن الرحلة والراحلة باللغة القديمة التي تذكرك بالصحراء والفيافي والنياق
والخيول ، ومازلت تجد بث لواعج الشوق والمحبة إلي الأحبة والخلان ، غير أن
الممدوح لم يعد هو ذاك الذي عرف قديماً وإنما هو الوطن مصر والشعب الذي
عاش بين أحضانه . يقول :
 نشجي لواديك أم نأسي لوادينا        يا نائح الطلح أشباه عوادينا
ماذا تقص علينا غير أن يدا  قصت جناحك جالت في حواشينا   
 أخا الغريب : وظلا غير نادينا        رما بنا البين أيكا غير سامرنا
 من الجناحين عي لا يلبنيا             وإذا دعا الشوق لم نبرح بمنصدع
 تجيش بالدمع والإجلال يثنينا         رسم وقفنا علي رسم الوفاء له

هذا مطلع من قصيدة عارض بها شوقي ابن زيدون استهلها بالوقوف علي الأطلال
علي طريقة الشاعر الجاهلي وأن من يقرن نونية ابن زيدون :
 وناب عن طيب لقيانا تجافينا          أضحي التنائي بديلاً من تدانينا
إلي نونية شوقي يستطيع أن يلاحظ أن نونية ابن زيدون كلها لوعة وحرقة وشكوي
من البين والأعداء والزمن وأنها مشحونة بعتاب حبيبته ولادة في تضاعيف كل
ذلك وأثنائه ، أما شوقي فاستهل قصيدته بمناجاة طائر حزين يرسل شجوه بوادي
الطلح في ضاحية أشبيلية وكأنه يعبر عن حزنه ولوعته لفراق وطنه ، فقد وقف
علي الرسوم الدارسة ولكنها ليست أثار مقام الحبيبة وإنما هي رسوم الحضارة
العربية الإسلامية تذكره ببلده وبملاعبه وهو حين يخاطب البرق لا يحمل تحية
إلي الحبيبة كابن زيدون في قوله :
يا سارق البرق غاد القصر واسق به من كان صرف الهوي والود يسقينا     
وإنما ليستهديه تحية إلي منازله بالنيل وتحسس رائحة وطنه .

هذا هو البناء الذي يسم أشعار شوقي الوطنية من الاستهلال إلي جوهر القصيدة
أما خواتم القصائد فعادة ما تكون حكمة تختزل القيم الوطنية التي تناولها
علي نحو ما سنبنيه لك في الفصل الخاص بالحكمة عند شوقي .

الفصل الخامس

الصورة الشعرية

أفاض النقاد قديماً وحديثاً في تعريف الصورة الشعرية ، وقد رأينا أن
نوجزها علي هذا النحو : الصورة الشعرية هي لغة الحواس والشعور ، ووسيلة من
الوسائل التي تصوغ الفكرة المجردة في شكل محسوس .

وقد تواترت في شعر كل من أحمد شوقي و أبي القاسم الشابي التشبيهات والاستعارات ، فأدت معاني الوطنية في أجمل إخراج وأجل صورة .

أ – الصورة الشعرية القائمة علي التشبيه

التشبيه عملية تتمثل في وضع دالين متميزين يقابلهما مدلولان يظهران
تماثلاً بينهما مع إيراد لفظة دالة علي تشابه الحقيقتين المذكورتين ، إنه
صورة تقوم علي تمثيل شئ محسوس أو مجرد بشئ أخر حسي أو مجرد لأشتراكهما في
صفة واحدة أو أكثر ، حسية أو مجردة ، الغاية منها تقريب المعني من الأذان
أو إخراجه من حال الغموض إلي حال الوضوح لغاية إمتاع النفس أو إقناع العقل
بواسطة التحسين والتقبيح . وقد ذكر ابن رشيق في باب التشبيه قوله :
التشبيه الحسن هو الذي يخرج الأغمض إلي الأوضح .

وقد اعتمد أحمد شوقي في وطنياته التشبيه لعدة أغراض من أهمها تأكيد حبه
لوطنه والإقناع بهذا الحب ليغري به غيره ويحفزه عليه ، ولذلك تراه يشبه
الوطن بالأمل وعهد الشبيبة تارة ويشبه بالعقيدة الدينية تارة أخري
وبالكعبة المشرفة تارة ثالثة وبالجنة طوراً رابعاً وبالثمار الذكية طوراً
خامساً ، يقول في قصيدته بعد عودته من منفاه :
 كأن قد لقيت بك الشبابا         ويا وطني لقيتك بعد يأس
 عليه أقابل الحتم المجابا         ولو أني دعيت لكنت ديني
 إذا فهت الشهادة والمتابا         أدير إليك قبل البيت وجهي
لقد جاء طرفا المعادلة في هذا التشبيه شبه ماديين ، ( لقاء الوطن / لقاء
الشباب ) إلا أن طبيعة المشبه به وما تنطوي عليه من رقة وشفافية وغناء قد
سمت به عن التقرير والتعادل ، فالشباب أمل وطموح وفتوة وتخط للصعاب توسل
به الشاعر لتقريب ما انفرد به واختص به وحده من عشق الوطن وفرحة بالعودة .
غير أن الشاعر بعد تشبيهه فرحة العودة إلي الوطن بفرحة الشيخ برجعة الشباب
إليه ، بلغت به غلواؤه إلي مجاوزة التوقير الديني فوحد بين العقيدة والوطن
إذ جعل من مصر ديناً يلقي عليه ربه في اليوم الأخر لو أنه قضي نحبه وهو في
المنفي .

ب – الصورة الشعرية القائمة علي الاستعارة

تعد الاستعارة ركناً رئيسياً في تكوين الشعر وخلق الصور ، وهي عند بعضهم
الأصل في تطور اللغة لأنها هي الأساس في استخدام الكلمات استخداماً جديداً
. فالإنسان عامة والشعر خاصة يضطر للتعبير عن حاجته أو رؤيته الجمالية إلي
استخدام نفس الكلمات في سياقات جديدة علي سبيل الاستعارة فيصوغ الواقع
صوغاً جديداً .

وقد قال ابن رشيق في العمدة عن " الاستعارة " الاستعارة أفضل المجاز وليس
في حلي الشعر أعجب منها ، وهي من محاسن الكلام إذا وقعت موقعها ونزلت
موضعها .

وقد أورد ابن رشيق قول القاضي الجرجاني في تعريف الاستعارة : الاستعارة ما
اكتفي فيها بالاسم المستعار عن الأصلي ، ونقلت العبارة فجعلت في مكان
غيرها ، وملاكها بقرب التشبيه ، ومناسبة المستعار للمستعار له ، وامتزج
اللفظ بالمعني حتي لا يوجد بينهما منافرة ، ولا يتبين في أحدهما إعراض عن
الأخر .

وقال الرماني : الاستعارة ، استعمال العبارة علي غير ما وضعت له في أصل اللغة .

ونجد نحن في أشعار شوقي الوطنية ألواناً من الاستعارة تخيرنا منها ما يلي:
يقول شوقي من قصيدة ألقاها 1897 .
 أنها تصغي بلا أذن          دار من أحببت أيتها
 طالب اللذات ليس يني       وفؤادي لا رشاد له
 وهو خفاق علي الوهن       أو هنته الحادثات هوي
 هيكل يهفو علي وثن          كل ركن كل زاوية
           خلع الأسرار كاهنه وبغير الحسن لم يدن
تشكل هذه الأبيات استعارة كبيرة حل فيها شوقي الوطن محل الحبيبة ، وصاغها
وفق مثال سابق في الشعر العربي تمتزج فيه ذكري الديار بذكري العهود امتزاج
الروح بالبدن . وآلف بين المعني الغزلي ومعجمه ومعني الوطن : ( من أحببت ،
فؤادي فاقد الرشد ، طالب اللذات ، واهن من المصائب والهوي ، خفاق أبداً
رغم وهنه ) .

ثم ما هي الشاعر بين صورة المعبود وصورة الوطن منتقلاً إلي معجم جديد
تتعانق فيه المعاني ( الهيكل – الوثن – الأسرار – الكاهن ) . أنها تراتيب
ناسك في معبد محبوبة مقدسة هي " مصر " هي رمز المحبة والحسن والحياة ،
تتناغم في وصفها المعاني الغزلية بالمعاني الدينية لتؤدي المعني الوطني ،
هي إذاً أقانيم ثلاثة تتداخل الحب والجمال والألوهية .

إن الاستعارة التي ابتدعها شوقي بهذا التمازج واسع الأطراف ما يلبث أن
يكشف عنها في أخر بيت في القصيدة إذ ينزع الإنسانية بكل أبعادها عمن لا
وطن له .
 ليس إنساناً بلا وطن         إن إنساناً تقابله
وما تلبث الملاعبة اللفظية أن تنجلي عن المعني الوطني إذ يصبح الوطن هو
القطب الذي يجتذب كل المعاني وتدور حوله كل الأحاسيس الإنسانية .

ج – الصورة النغمية أو الرصانة الشعرية

الشاعر الوطني في عرف بعض الأدباء هو الأديب الذي يكون ثائر النفس جياش
الفؤاد ، قادراً بما يملكه من فصاحة وقوة بيان علي صب ثورة نفسه في قلوب
أبناء أمته فيثيرهم ويثير أحلامهم ويجيش هممهم ويوقظ نائم أحقادهم ، وهو
الذي يرفع لهم مثل الحياة الحرة الشريفة العزيزة ويهزهم هزاً إلي صراع
عدوهم وإن اشتد بطشه وجبروته ويحبب إليهم احتمال الأذى ولقاء الردي
ويحملهم علي الجود بالنفس والمال والولد ونعيم الحياة وراحة الحياة الدنيا
.

فالشاعر بهذا المعني يعد لسان الأمة الصادق والمترجم عن شعورها والحافز
لهمتها والمستل لعوامل اليأس والاستكانة في نفوس أبنائها والمفاخر بأثارها
والمنافح عن أمجادها .

وليكون الشاعر هذا اللسان المعبر عن آمال الشعب وآلامه لا بد له من الاختلاط به والاندماج فيه ومشاركته عواطفه وميوله .

وبهذا يفهم الشعر الوطني علي أنه وسيلة قبل أن يكون غاية وأداة قبل أن
يكون فناً يطلب لذاته ، ومن ثم وجب أن يتوخي له الشاعر أساليب مخصوصة
تلائم الأحداث والأوضاع ووجب أن ينتقي له اللفظ القوي الجذاب والصورة
الموثقة المؤثرة وأن يجتنب فيه الإغراب والتعمية والإلغاز لكي تقع أفهام
السامعين علي معانيه في سهولة ويسر ، كما يجب أن يتخير له من الأوزان
والصيغ ذات التوقيع النغمي الهزاز الذي يسهم في إلهاب المشاعر وإثارة
الحمية .

وإذا صحت هذه المقدمات تجد شوقي استجاب لها حيناً وجانبها أحياناً . فأنت
تقرأ شعره الوطني لا تري فيه خطيباً مفوهاً أو سياسياً مجلجلاً محرضاً
وإنما تستخلص من تضاعيفه ذلك الرجل الهادي الطبع الوديع النفس الذي عاش في
جو من التأملات وذكريات الماضي البعيد المليء بتاريخه وديانته وأحداثه
وعبره ، وتلمس من خلال كل ذلك ملامح المعلم الناقد الذي يصوغ ما حصله من
علم حكماً ونصائح وتوجيهات يزجيها إلي الناس لكي يعملوا بها حياتهم أو
يستنيروا بها فيما يختارون ويذهبون إليه ، لذلك طغي الإخبار علي شعره
والتسجيلية الحرفية للوقائع والأحداث يوثقها ثم يبلغها للسامعين بلغة فيها
كثير من مشاعر العطف والتأثر ولكن فيها نصيب وافر من العقل والحكمة .
ويقول :
 وحبك في صميم القلب نام        أحبك مصر من أعماق قلبي
 إذا ظهر الكرام علي اللئام        سيجمعني بك التاريخ يوماً
          لأجلك رحت بالدنيا شقيا  أصد الوجه والدنيا أمامي
          وهيتك غير هياب يراعا  أشد علي العدو من الحسام
فأنت في هذه الأبيات لا تلمس تلك اللهجة المثيرة المنتظرة من قصيدة وطنية
ولا تقف علي لغة متوترة أو مستفزة ترج وتجرف لكان صاحبها يريد إخضاعها
لسلطان العقل والفن معاً .

ولا تظهر هذه العاطفة الهادئة الرصينة في ما نظم شوقي عن الوطن وعلاقته
الخاصة به وإنما تتبدي لنا أيضاً في ما قاله في كبار الحوادث وجليل
الوقائق مثل كبار الحوادث في وادي النيل " أو نكبة دمشق " حيث يقول :
لحاها الله أنباء توالت  علي سمع الولي بما يشق 
           تكاد لوعة الأحداث فيها تخال من الخرافة وهي صدق
           وقيل معالم التاريخ دكت  وقيل أصابها تلف وحرق
 ومرضعة الأبوة لا تعق       ألست دمشق للإسلام ظئراً
         وللأوطان في دم كل حر  يد سلفت ودين مستحق
         وللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يدق
تقرأ هذه الأبيات فتجد الشاعر يعرض لك الواقعة بأسلوب إخباري عرضاً هادئاً
غير مشبوب ويفحصها فحصاً عاقلاً لكنه لا يخلو من مشاعر الحزن ولا يعدم
قولاً حكيماً أيضاً ، جاء هكذا كله في لغة مباشرة لا غموض فيها ولا التواء
وحتى إن بدت بعض العبارات قليلة الخصب الذهني والعمق العقلي مثل قوله :
          وقيل معالم التاريخ دكت  وقيل أصابها تلف وحرق
فإن المهم لدي الشاعر أن يكون شعره سهل المأخذ قريب الغور .

إلا إن حديثنا عن رصانة شوقي الشعرية وميله إلي النقل الهادئ للأحداث
والنقد الرزين للمستعمر وأذياله والنصح الرشيد لأبناء الوطن بلغة شعرية
طغي عليها الإبلاغ فإنه لا يعدم شعراً حماسياً جاء في أساليب إنشائية نمت
عن ثورة في النفس أو غضب يمور به صدره فجاءت صوره البيانية جلية ناصعة
وافرة الخصب والرواء .

 الخاتــــــمة

الحمد لله الذي علم بالقلم . علم الإنسان ما لم يعلم . وأصلي وأسلم علي الحبيب المعلم
وبعــــــــــد :

اللغة الشعرية :

كان شوقي يعني أشد العناية بتوفير عناصر الجمال اللفظي لشعره ، ولعل
احتفاله بالمعني كان لا يضاهي احتفاله باللفظ فالصنعة والديباجة ونسيج
الكلام أمور مقدمة في قول الشعر لديه وقد يكون في أقصي ضميره يؤثر البيت
الجيد اللفظ علي البيت الجيد المعني من شعر الشعراء القدامى الذين كان
شديد الإعجاب بهم والتأثر بفرائضهم . لذلك نجد لغة الشعر لغة البيان الأول
متانة وحسن سبك وجودة صياغته ، ومما لا شك فيه أن شوقي كان يتخير لفظه من
المنتج اللغوي القديم في عهوده المشرقة ويعمد إلي إعادة حياكته بمواضيع
جديدة وخاصة منها الموضوع الوطني .

غير أن العودة إلي القديم واتخاذه أداة إنشاد وإبلاغ في مواضيع حديثه أحدث
نوعا من الارتباك في اللغة الشعرية لدي أحمد شوقي لذلك تري القصيدة
الواحدة وقد عجت بلغة الصحاري والخيل والسيوف والرماح والأبقار الوحشية
والغزلان وإلي جانبها لغة السياسة الجديدة من دستور وبرلمان وشعب واستقلال
ووطن ومهرجان ومؤتمر وحزب ومستعمر وغيرها .

يقول مستعملاً لغة قديمة :

 ل العسجدية ينثنين            الخيل حولك في الجلا
وعلي نجادك هالتا           ن من القنا والدارعين

لمتابعه الجزء الاول

لمتابعه الجزء الثاني

حياة احمد شوقي وثقافته الجزء الثاني

 الباب الثالث


الفصل الأول :
أولاً : نقد الإنكليز والمتواطئين معهم
ثانياً : الوفاء لتراث مصر
ثالثاً : تاريخ مصر

الفصل الثاني :
أولاً : الولاء للإسلام
ثانياً : حب الوطن
ثالثاً : استنهاض الهمم

الفصل الثالث :
أولاً : الإيمان بالشعب وبالمؤسسات والدستور
ثانياً : التسامح الديني
ثالثاً : التنويه بالثورة العربية


الفصل الرابع :
أولاً : الدعوة إلي العلم والمعرفة
ثانياً : من الخصائص الفنية في وطنيات شوقي
ثالثاً : بناء القصيدة

الفصل الخامس :
أ - الصورة الشعرية القائمة علي التشبيه
ب- الصورة الشعرية القائمة علي الاستعارة
جـ - الصورة النغمية أو الرصانة الشعرية

الفصل الأول

أولاً : نقد الإنكليز والمتواطئين معهم


إن الحوادث التي كانت تجد في مصر هي التي تذكي في نفس شوقي لهيب وطنيته ،
ومن الحوادث العظيمة نقل الطاغية كرومر من مصر بعد أن جثم علي صدرها أربعا
وعشرين سنه يعسف بالناس ويقتلهم وينهب خيرات البلاد ، وينصب من يشاء ويعزل
من يشاء .

وقد خطب كرومر يوم رحيله عن مصر في حفل توديع أقيم له سنة 1907 فندد
بإسماعيل وعصره وذم المصريين وشتمهم لأنهم في نظره لم يقدروا منن الاحتلال
الإنكليزي ولم يعترفوا بجميله عليهم .

ومما ورد في خطبة اللورد كرومر وكان قادحا لسخط شوقي قوله : " أننا في ربع
قرن قد أدينا عملا طيبا علي ما فيه من القصور ... ولا يمكن أن أصدق أنه
يمكن للمصريين أن يتنكروا للتمدن الغربي الذي جلبته لهم إنكلترا في خلال
الخمسة والعشرين عاما ، ذلك التمدن الذي نشلهم من وهدة اليأس بعدما هرموا
فيها . وهب أبناء الجيل الحاضر لا يعترفون بهذه الحقيقة فإني لا أزال آمل
أن يعترف بها أبناؤهم ، إذ المعتاد أن يكون أولاد العميان مبصرين ... إن
الاحتلال البريطاني سيدوم ويبقي ... ولا يكن عند أحد ريب في هذه الحقيقة
الثابتة " .

وقد تجلي غضب شوقي في قصيدة مطوله عبر فيها عن غضبه وغضب الناس تجاه وقاحة
المستعمر وتحديه لحقوق الشعب ، وجعل أي احتلال هو مرض عضال لابد للشعوب أن
تبدأ منه يوماً :

 أم أنت فرعون يسوس النيل         أيامكم أم عهد إسماعيلا
 لا سائلاً أبداً ولا مسؤولا            أم حاكم في أرض مصر بأمره
 وكأنك الداء العياء رحيلا            لما رحلت عن البلاد تشهدت
 أدب لعمرك لا يصيب مثيلا         أوسعتنا يوم الوداع إهانة
 كنا نظن عهودها الإنجيلا           اليوم أخلفت الوعود حكومة

وكما نقد شوقي كرومر باعتباره ممثلا للاحتلال البريطاني وشنع بأعماله ،
نقد كذلك سلوك المصريين المتواطئين مع الاحتلال السائرين علي نهجه ،
المتشبهين بأذياله ، ومن هؤلاء نذكر رئيس الوزارة " رياض باشا " الذي طالب
الخديوي عباس أن يعتذر إلي الإنكليز لأنه نقد أحد قاداتهم ، ولما أبي
الملك أن يعتذر تقدم رياض رئيس الوزارة المصرية من كرومر وبرأ نفسه من
صنيع الملك وراح يلح في الأعذار وألقي خطاباً مجد فيه الإنكليز ونقد
عباساً ودولته . ومما ورد علي لسان رياض باشا في هذه الخطبة قوله منوهاً
بمزايا الاحتلال : " فهذه اليد الفعالة قد شملتنا ، وهي التي كانت لنا
معوانا ، بل متمماً ومكملاً لهذا المشروع ، فحق علينا أن نعرف هذه المبرة
، ونقدم لجنابة ( كرومر) واجب الشكر ، ونثني عليه أطيب الثناء ، ونرجو ،
ألا يترك هذا المولود في المهد صبيا ، بل يراعيه بعين عنايته ويواسيه
ويواليه إلي أن يتربي ويبلغ أشده ، ويصير رجلاً قوياً يقوم بأود نفسه .

ولئن استنكر الحاضرون هذا التملق الفاضح فإن شوقي خرج من مجرد الاستنكار
إلي التنديد بقصيدة رد فيها علي هذه الخطبة ، والممالاة لمن قهروا مصر
والمصريين :
 وهم غمروك بالنعم الجسام        غمرت القوم إطراء وحمدا
 فكيف اليوم أصبح في الرغام      رأوا بالأمس أنفك في الثرايا
 أضيف إلي مصائبنا العظام       خطبت فكنت خطباً لا خطيباً
 وجرحك منه لو أحسست دام      لهجت بالاحتلال وما أتاه
 وما أغناك عن هذا الترامي       وما أغناه عما قال فيه
 وذا ثمن الولاء والاحترام        أجبت البلاد طويل دهر

ثانيا : الوفاء لتراث مصر
تغني شوقي بتراث مصر العظيم في غرر من قصائده المطولة ، وتجلي اعتزازه
بهذا التراث المتنوع صريحا أراد أن ينقله غلي جيل الشباب حتي يبعثوه حيا
ما جدا من جديد .

ثالثاً : تاريخ مصر
لقد دون شوقي تاريخ مصر في قصائد مطوله مثل " انها النيل " و " وداع
اللورد كرومر " وخاصة في " كبار الحوادث في وادي النيل " التي قدمها
للمؤتمر الدولي المنعقد في جنيف في سبتمبر 1894 بصفته مندوبا للحكومة
المصرية ، وهي تدل دلاله واضحة علي ما يكنه الشاعر لوطنه من ألوان الوفاء
والولاء من جهة وعلي ثراء ثقافته وقدرته علي تجاوز المادة التاريخية إلي
ما وراءها كي يستنهض الأمة ضد من يحتل أرضها ويشكك في قيمة تراثها ويزرع
بذرة الإحباط في نفوس أبنائها ، كان لابد أن يصدح الشاعر بعظمة مصر ويذكر
بمآثرها وعلمائها وعظمائها وإشعاعها الحضاري علي أصقاع العالم يقول طالع
هذه القصيدة :
همت الفلك واحتواها الماء وحداها بمن تقل الرجاء
في هذه القصيدة المطولة التي قارب عدد أبياتها الثلاثمائة يذكر الشاعر
بتاريخ مصر عندما كانت تسيطر علي البحار وتملك الرقاب ويشيد بإنجازات
الفراعنة وخاصة منها الأهرامات ويصور عصرهم تصويرا مبدعا ، ويعدد مآثرهم
لا تعداد المؤرخ الموضوعي المحايد وإنما تعداد المؤرخ الذي ينفعل مع
التاريخ حتي يصرخ متحمساً معتزاً :
 وعلونا فلم يجزنا علاء    وبنينا فلم نخل لبان
 والبرايا بأسرهم أسراء    وملكنا فالمالكون عبيد
ويتعرض الشاعر إلي أعلام العصور المختلفة فيبرز عظمة رمسيس وهيبته وقوة
سلطانه ومحبة الناس له وحنكته السياسية وحسن تدبيره الدولة وعدم اغتراره
بالدساسين والسفهاء وهو بكل هذه الخصال يفوق علي جميع الملوك علي مر
الأزمان وحتى العصر الحديث ، فهو المثال الذي يصلح أن يكون قدوة لغيره
وعلي هدي خطاه ينبغي أن يسير كل ملك يروم بسط سلطانه والاحتفاظ بعرشه

الفصل الثاني


الولاء للإسلام
حب الوطن ، استنهاض الهمم

أولاً : الولاء للإسلام :

تنطلق الشوقيات باعتزاز شوقي بالدين الإسلامي ، واعتباره درعا يقي
المصريين من طعنات الاحتلال . وقد خص لتعاليم الإسلام أكثر من قصيدة " نهج
البردة " ، وفيها إكبار للرسول لأنه حمل أعظم الرسالات ودعا إلي مبادئ
سامية فصلها شوقي تفصيلا في مطولته ، ورأي في الرسول قدوة يقتدي به
المسلمون ليخرجوا من جهلهم وهزائمهم ، ورأي في مبادئ العدل التي دعا إليها
والعلم الذي أقره ينابيع الحضارة الحق :

 كم شيد المصلحون العاملون بها  في الشرق والغرب ملكا باذخ العظم
للعلم والعدل والتمدين ما عزموا  من الأمور وما شدوا من الحزم
 وأنهلوا الناس من سلسالها الشبم        سرعان ما فتحوا الدنيا لملتهم
ومن المبادئ الإسلامية التي أشاد بها شوقي المساواة بين الفقراء والأغنياء
واعتبار التقوى فوق الجاه والمال ، يقول مخاطبا الرسول :

فرسمت بعدك للعباد حكومة  لا سوقه فيها ولا أمراء
 فالكل في حق الحياة سواء                  أنصفت أهل الفقر من أهل الغني
 ما اختار غلا دينك الفقراء                 فلو أن إنسانا تخير ملة

ثانياً : حب الوطن

كان حب الوطن متغلغلاً في نفس شوقي ، فلما نفي عن مصر وأحس الاغتراب توهجت
وطنيته وأحس حنينا جارفا غلي مصر دل علي ما بداخله من كرم الطينة والوفاء
للأهل والديار ، وقد قال أحد الحكماء قديما : " حنين الرجل إلي وطنه من
علامات الرشد " .
وقد نظم شوقي قصائد عدة في الحنين إلي الوطن لعل أظهرها تلك التي مطلعها :
 اذكرا لي الصبا وأيام أنسي          اختلاف الليل والنهار ينسي
 نازعتني إليه في الخلد نفسي         وطني لو شغلت بالخلد عنه
 شخصه ساعة ، ولم يخل حسي     شهد الله لم يغب عن جفوني

وقد نظم شوقي قصيدة مطولة عارض بها قصيدة ابن زيدون الأندلسي والتي مطلعها :
 وناب عن طيب لقيانا تجافينا         أضحي التناهي بديلاً من تدانينا

أما مطلع قصيدة شوقي :

 نشجي لواديك أم نأسي لوادينا        يا نائح الطلح أشباه عوادينا

وفيها غني شوقي غناء حزين ، وحن حنيناً إلي مصر رقيقاً وتمني جرعة من
النيل تروي عطشه وتبل حرقته ورأي في ابن زيدون غربة وحرماناً تلتقي وحرقته
:
 عهد الوفاء وإن غبنا مقيمينا         يا ساكني مصر أنا لا نزال علي
 شيئاً نبل به أحشاء صادينا          هلا بعثتم لنا من ماء نهركم
 ما أبعد النيل عن أمانينا               كل المناهل بعد النيل آسنة

فكيف كانت عودة شوقي إلي مصر ؟

في سنة 1919 وفي قصر السلطان حسين كامل بمصر وكان قد جمع أصدقاءه وخاصته
في ليلة من ليالي الأنس ، إذ التمس منه الشاعر المصري وصديق شوقي ،
إسماعيل صبري أن يسمح للشاعر الغريب بالعودة إلي الوطن فتزدان به مصر
ويفخر به المصريون فاستجاب السلطان لطلب إسماعيل صبري وأذن لشوقي بالعودة
إلي مصر ، فاستعدت جماهير من الطلبة ومن عموم الناس لاقتباله ، ولما
اقتربت السفينة من الميناء طفرت الدموع من عينه وهتف قائلاً :
يا وطني لقيتك بعد يأس كأني قد لقيت بك الشبابا
 علي         ولو أني دعيت لكنت ديني ه أقابل الحتم المجابا
 إذا فهت الشهادة والمتابا        أدير إليك قبل البيت وجهي

وقد أتاح النفي لشوقي أن يراجع حياته وبعض مواقفه التي جانب فيها الصواب
وحاد عن مطامح الوطن كالمواقف الجادة التي وقفها من أحمد عرابي ، وصار
شوقي يؤمن بالشعب بطلاً أوحد في التاريخ ويهجن من سلطة الأفراد .

ثالثا : استنهاض الهمم

أدرك شوقي بعد عودته من منفاه ، أن الشباب الذي حمله علي الأعناق أكراما ،
إنما هو القوة الضاربة في مصر وهو القادر علي تبديل حال بحال ، وإليه توكل
الثورات التي تعصف بالحكام والطغاة فكان يتوجه إلي الشباب ينفخ فيهم لهيب
الثورة ويحثهم علي مواصلة المقاومة التي بدأها أحرار مصر :
 ملبي حين يرفع مستحبابا         شباب النيل إن لكم لصوتا
فهزوا " العرش " بالدعوات " حتي يخفف عن كنانته المصابا   
ولم يكن نداء شوقي للشباب إلا دعوة لتبديل نظام بنظام وعرش بعرش بسواعد عهد فيها التضحية من أجل " الحرية الحمراء " .

وقد يتجاوز شوقي خطابه لشباب مصر ليشمل كل الشباب المتفجر حيويته ، فيصوغ
له المثل المنشود حكما تتجاوز الزمان والمكان وترسم الغد المضئ بالجهد
والجهاد :

 ولكن تؤخذ الدنيا غلابا        وما نيل المطالب بالتمني
 إذا الإقدام كان لهم ركابا      وما استعصي علي قوم منال
وإذا كان الشباب عماد الثورة " يهز العرش " فلا بد من عدة يعدها لهذا الأمر الجلل ، وهذه العدة هي العلم والمعرفة .

وقد ألح شوقي أيما إلحاح علي العلم واكتسابه والتفاني في تحصيله ، فهو عدة
الشباب ليسترجع ماضيه التليد ، وليبني مستقبله المشرق وليقاوم الاحتلال في
حاضره المقيت :
 واطلبوا الحكمة عند الحكماء         فخذوا العلم علي أعلامه
واقرؤوا تاريخكم واحتفظوا خلقت نصرتها للضعفاء
 هي ضاقت فاطلبوه في السماء       واطلبوا المجد علي الأرض فإن
بمثل هذه الأبيات الخطابية توجه شوقي يحفز الهمم وينير البصائر خاصة وقد
شهد عن كثب آثار العلم في المدينة الأوربية ، وأدرك البون البائن بين
الحضارتين وعلم أن تفريط العرب في علومهم زمن الانحطاط إنما هو السبب
المباشر في الاستعمار بشتي أشكاله .

الفصل الثالث

أولاً : الإيمان بالشعب وبالمؤسسات والدستور

إن السنوات التي قضاها شوقي بعيدا عن الوطن منفيا في أسبانيا ثم ذلك
اللقاء الجماهيري الضخم الذي قابله به المصريون واعتبروه بطلا قائدا من
منفاه قد غير أرستقراطية شوقي وقربه أكثر من شواغل الشعب وهمومه ، وخفف من
حدة تبعية للخديوي وللوظيفة وأعطي شعره مجري جديدا ومبادئ كان غافلا عنها
عندما هزت ثورة 1919 أركان مصر وهو غائب عنها .

وقد كشفت له الثورة عظمة الشعب وقدرته علي إخضاع أعتي القوي الاستعمارية ،
كما كشفت له تضحية الأفراد والجماعات بالمال والنفس والأبناء في سبيل
الاستقلال وعزة مصر ، وتصدر الشعب في ديوان شوقي محل القصر ، وهتف قائلا :

       زمان الفرد يا فرعون ولي ودالت دولة المتجبرينا
 علي حكم الرعية نازلينا        وأصبحت الرعاة بكل أرض

وقد تجسدت تضحيات الشعب المصري في المطالبة بالدستور الذي " يلجم الحكومة
بلجام من حديد " علي حد تعبير الزعيم مصطفي كامل ، وقد وضع هذا الدستور
سنة 1924 ولكن الملك فؤاد سعي إلي إبطال العمل به لأنه اعتبره استنقاصا
لسلطة الملك وتقليلا من شأنه في أعين الجماهير . غير أن شوقي هزته النخوة

وهو يستمع إلي بطولات الأبطال تتلي علي مسامعه وود لو كان رآها عن كثب حتي
تفجر فيه شاعريته . وفي هذا الصدد قال :

 لنظمت للأجيال ما لم ينظم         يوم البطولة لو شهدت ناره
لو لا عوادي النفي أو عقباته والنفي حال من عذاب جهنم  
          لجمعت ألوان الحوادث صورة مثلت فيها صورة المستسلم

فما كان شوقي إلا أن يحث الناس علي التمسك بهذا المكسب لأنه وجه من وجوه سلطة الشعب .
يقول شوقي :

 تبيتوا علي يأس ولا تتضجروا        ويا طالبي الدستور لا تسكتوا ولا
اعدوا له صدر المكان فإنني  أراه علي أبوابكم يتخطر   

ولما أفتتح أول برلمان مصري في 15 مارس سنة 1924 م قال شوقي قصيدة أشاد
فيها بالحكم النيابي وعده مظهراً للحرية والسيادة وثمرة لنضال الشعب
وامتداداً للحكم الشوري الذي نص عليه الإسلام ، ومما يقول في هذه القصيدة :

 ظلاً علي الوادي السعيد ظلالا      البرلمان غداً يمد رواقه
 دنت القطوف وذللت تذليلا          قل للشباب اليوم بورك غرسكم
 وضعوا علي أحجاره إكليلا         حيوا من الشباب كل مغيب
 جماً وحظ الميت منه جزيلا         ليكون حظ الحي من شكرانكم
 حتي يري جنديه المجهولا           لا يلمس الدستور فيكم روحه

وتيقن شوقي أن هذه المكاسب مهددة وأن العقول التي آمنت بسلطة الفرد أو
سلطة الاستعمار لابد أن تهدمها بمعاولها الرجعية ، فحث علي صيانة هذه
المكاسب بفضل العلم والمعرفة واليقظة الدائمة ، ودعا إلي اختيار ممثلي
الشعب اختيار واعياً يدل علي ما بلغه الفرد من معرفة بحقوقه ، فاستمع إليه
يتوجه إلي الشعب المصري قائلاً :

 ت من المجلس قابا           الها الشعب لقد صر
 وكن الحر انتخابا             فكن الحر اختياراً
 ليس تألوك ارتقابا        
     إن للقوم لعيبا
 ب علي الصدق وشابا         فتخير من كل شـ

بهذه الحماسة للدستور والبرلمان ولمن دافع عنهما مثل سعد زغلول كان شعر
شوقي معبراً عن طموح الناس في الحرية والاستقلال وبناء الوطن بناء جديداً .

ثانياً : التسامح الديني

كان شوقي يأخذ نفسه بالتسامح الديني وخاصة بين المسلمين والأقباط إذ كان
يعتبر المتشيعين للإسلام والمسيحية أمة واحدة منذ عشرات القرون وأنهم
جميعا أبناء النيل ومن طينه ومائه .

وكثيرا ما نبه شوقي المسلمين والمسيحيين علي حد سواء إلي أن المصريين
جميعا شركاء في الآلام ، أما اختلاف الدين فلا يصح أن يكون عاملا للفرقة
والانقسام فالمسلم يتجه إلي الله والقبطي يتجه إلي الله كذلك :

 فهذا تشبت بمحال           يا بني مصر لم أقل أمة القبط
 أمة وحدت علي الأجيال        إنما نحن ، مسلمين وقبطا
         سبق النيل بالأبوة فينا فهو أصل وآدم الجد تال
        مر ما مر من قرون علينا رسفا في القيود والأغلال
 في يديه ومن مشي بهلال            وإلي الله من مشي بصليب

ثالثاً : التنويه بالثورة العربية

لم تكن البلدان العربية في مطلع القرن العشرين أفضل حالا من مصر ، بل كانت
جميعا ترزح تحت الاحتلال الأوروبي يسومها ألخسف و المذلة, ويعبث بأموالها
وأرواحها, ويشككها في قدراتها على ألعلم والنمو والانبعاث . وقد نظر شوقي
إلى البلاد العربية شرقا وغربا فلم يجد إلا الخضوع إلى الهيمنة , هيمنة
الحاكم المحلي ينصبه الاستعمار ويدعمه .

وقد حزن شوقي للبلاد العربية : يجثم الإنجليز علي صدر مصر والفرنسيون علي
صدر سوريا وشمال أفريقيا والطليان علي صدر ليبيا . ومن دوافع قصائده ما
قاله في " نكبة دمشق " وقد أسي لعدوان فرنسا علي سورية وعبثها بآثارها
ومعالمها الإسلامية ، وهي التي كانت بالأمس تبش بالحرية وتنصب نفسها حامية
للحقوق الإنسانية والمبادئ السامية ، إلا أن الاستعمار وإن أخفي وحشيته
فإلي حين ثم تنفضح في ممارسته وقد ندد شوقي في هذه القصيدة بفرنسا قائلاً :

        وللمستعمرين وإن ألانوا قلوب كالحجارة ولا ترق
 وتعلم أنه نور وحق          دم الثوار تعرفه فرنسا
 وزالوا دون قومهم ليبقوا     بلاد مات فتيتها لتحيا
وحررت الشعوب علي قناها  فكيف علي قناها تسترق ؟

غير أن المدافع التي هدمت دمشق لم تكن نهاية النضال حسب شوقي ، بل هي حافز
علي مقاومة الاحتلال الفرنسي والنزوع إلي حرية ثمنها باهظ ، ولئن كان
التوجه إلي سوريا فالخطاب موجه إلي كل بلد عربي ابتلي بالاستعمار .

لمتابعه الجزء الاول

لمتابعه الجزء الثالث

حياة شوقي وثقافته

حياة شوقي وثقافته

وملامح شخصيته

الباب الأول

الفصل الثاني : فترة المجد في حياة شوقي


الفصل الثالث : العاطفة الهادئة المركزة التي تنأي عن الصخب

الفصل الأول


مرحلة التعليم


يدخل شوقي في الرابعة من عمره كتاب " الشيخ صالح " ويبدو أن الدراسة في
هذا الكتاب كانت سيئة تعتمد علي التلقين والحفظ في التعليم ، والعصا ، أو
ما هو أقصي منها في التربية ، وهذا ما جعله يصرح بأن إدخاله الكتاب كان "
من أهلي جناية علي وجداني " وينتهي شوقي من دراسة المرحلة الثانوية في سن
مبكرة " سنة 1885 م " ثم ينتهي من دراسة الحقوق والترجمة عن الفرنسية "
سنة 1889 م " وكان في أثناء دراسته للحقوق يتلقى نوعاً أخر من الدراسة
الأدبية ، فقد تتلمذ علي يد الشيخ حسين المرصفي أستاذ البارودي أيضاً وقرأ
معه كتاب " الكشكول " لبهاء الدين العاملي وشعر البهاء زهير وكذلك اتصل
شوقي في هذه المرحلة بالشيخ حفني ناصف وتتلمذ عليه سنتين .

ومع انتهاء شوقي من دراسته الحقوق تكون موهبته قد نضجت وأعلن ميلاد شاعر جديد لمصر .

وصلة شوقي الوطيدة بالقصر ، وبالخديوي توفيق ، أهلته لبعثه يدرس فيها
الحقوق في فرنسا أوائل سنة 1891 م ، حيث قضي سنتين في باريس وثالثة في
مونبلييه ، وكان هدف توفيق من هذه البعثة أن يصقل موهبته ، ليكون شاعره "
الخاص " المسبح بحمده ، والمتحدث باسمه لذلك يطلب منه في إحدى رسائله أن
يتمتع بمعالم المدينة القائمة أمامه وأن " تأتينا من مدينة النور باريس
بقبس تستضئ به الآداب العربية .

علي أن شوقي – فيما يبدو – كان يقف من الأدب ومذاهبه موقف الهاوي المتذوق
، يتأثر بشعراء أو بجوانب من فنهم ، وليس بسمات محددة " لمذهب بعينه " وقد
صرح منذ وقت مبكر بإعجابه بثلاثة شعراء فرنسيين علي اختلاف اتجاهاتهم وهم
( فيكتور هوجو – ألفرد دي موسيه – لامرتين ) ، وفي أواخر حياته سنة 1921 م
كان شعراء العربية عنده آثر من أي شاعر أخر وننتهي إلي أن تأثر شوقي
بالآداب الغربية لم يكن منظماً ، بحيث يبدو واضح المعالم في أدبه بصفة
عامة باستثناء " شكسبير " الذي تتبعه بدقة في مسرحيته " كيلوباترا " .
الفصل الأول : في مرحلة التعليم

الفصل الثاني
فترة المجد في حياة شوقي وفنه


يعود شوقي من بعثته أواخر سنة 1893 م بعد وفاة الخديوي توفيق ، ليعمل في
معية عباس حلمي الثاني بعد أن أقنع به وهما يقتربان بحكم السن بدرجة
تذكرنا بعلاقة المتنبي بسيف الدولة الحمداني ، وتشهد الفترة من سنة 1893 :
1914 م ، سنوات المجد الاجتماعي والأدبي بالنسبة لشوقي .

فمن الناحية الاجتماعية كان شوقي شخصيه مرموقة في بلاط الخديوي ، وصار من
أقرب المقربين إليه ، يوفده مندوباً عنه إلي الخارج ، ويحضره ندواته
واجتماعاته السياسية باعتباره أحد رجاله ، ونتيجة لهذا التقارب , كان شوقي
فيما يبدو – المعبر برضي واقتناع – عن سياسة القصر ومدح الخديوي ، وتحددت
صلته برجال الأمة وزعماء السياسة بحسب قربهم أو بعدهم من القصر .

الناحية الفنية :

فقد أسهم شوقي في الإحياء الشعري وبدايات التجديد بمحاولات كثيرة كماً
وكيفاً ، فشعره في هذه المرحلة يمثل مرحلة متقدمة من مراحل إحياء الشعر
العربي التي بدأها البارودي ، حيث صارت الجملة الشعرية أصفي لغة ، وأثري
خيالاً ، وأقوي تركيباً ، محمله طاقه غنائية عذبة ، موظفة عناصر التراث
القديم ومطورة لها ، وهذه العودة إلي مصادر العروبة في الفن هي التي وحدت
" الذوق " العربي حول شعر شوقي ، وأهلته بالتالي ليكون أمير الشعر العربي
سنة 1927 م .

كذلك نجد عند شوقي في أثناء هذه الفترة بدايات للشعر " الوجداني " المعبر عن الزاد مثل قصيدته عن النفس التي يبدأها بقوله :
 وبت تنكرني اللذات والطرب     صحوت واستدركتني ، شيمتي الأدب

ويذكر فيها بعد ذلك :

 وما أنلت بني مصر الذي طلبوا        أوشكت اتلف أقلامي وتتلفني
 فلن تذيب سوي أغمادها القضب       هموا رأوا أن تظل القضب مغمدة
ويكاد ينفرد شوقي أيضاً في هذه المرحلة ، بما يمكن أن نساله بالشعر الوطني
الذي يستلهم تاريخ مصر منذ الفراعنة مشيداً بحضارتها الخالدة ، وتاريخها
العريق تعبيراً عن رغبة مصر في التحرر والاستقلال والقيام بدورها .

الفصل الثالث
العاطفة الهادئة المركزة التي تنأي عن الصخب

وأقتبس هنا ما ذكره الدكتور محمد زكي العشماوي عن هذه العاطفة " إنها
العاطفة الخاضعة لسلطان العقل والفن ، وليست العاطفة المشبوبة بغير قيد أو
شرط ، فالعاطفة مهما بلغ صدقها لا تستطيع وحدها أن تحقق الفن ، إنها عامل
أساسي وجوهري في التجربة الشعرية ، ولكن لابد أن تمتزج بعقل الفنان الخالق
امتزاجاً يحقق الاعتدال والتوازن ، ذلك أن الذي يحدد القيمة النهائية
للعمل الفني هو الفن ، لا العاطفة المشبوبة ، أو الصادقة وحدها .

هنا يختلف شوقي عن حافظ ، فبينما يؤثر شوقي العاطفة الهادئة ، الخاضعة
لسيطرة الشاعر ، والتعبير عن الانفعالات الجياشة الصاخبة ، إذ بحافظ يؤثر
طبيعته الخاصة التي تتمثل في قدرته علي إثارة الانفعال بما يمتلك من عاطفة
مشبوبة ، ومن هدير الخواطر المتدفقة ، ومن اللغة التجسيدية ذات الإيقاع
الخاص والتوتر الخاص ، لغة كلغة الأقدمين ، لغة ترج وتجرف ، ذات موج عال
من الانفعال ، ولكي نخرج من التجريد إلي التحديد ، دعنا نتخير المقطعين
الأولين من رثاء حافظ وشوقي لسعد زغلول " توفي 1927 م " ، وقول حافظ :
إيه ياليل هل شهدت المضابا  كيف ينصب في النفوس انصبابا
 أن الرئيس ولي وغابا   بلغ المشرقين قبل انبلاج الصبح
 وانع للنيرات سعداً فسعد  كان أمضي في الأرض منها شهابا

يقول شوقي :
 شيعوا الشمس ومالوا بضحاها وانحني الشرق عليها فبكاها
 " يوشع " ، همت ، فنادي ، فثناها   ليتني في الركب لما أفلت

علي أن الذي أكسب الصورة روعتها ، ومنحها هيبتها تلك العلاقات التي تآلفت
من كلمات البيت والتلاؤم الموسيقي بين " شيعوا " و " مالوا " وبين " أنحني
الشرق عليها " ثم بين " ضخاها " و" بكاها " ، ثم انتشار حروف المد علي طول
البيت بإيقاع متناغم ، هذا التلاؤم لا ينصرف تأثيره إلي مدي تفاعل هده
الأصوات ، بل بالإحساس العام الذي ينتهي إليه البيت ، وبالموجة الهادئة
التي تخطوا خطوات حزينة وفي نغم موقع .

فإذا انتقلنا إلي البيت التالي ، وجدنا شوقي يستعين في إشاعة الحزن
بمهارات أخري ، فاستعاد موقف النبي " يوشع " الذي طلب من ربه أن يؤخر له
مغرب الشمس فاستجاب له ربه ، فليت شوقي كان في موقف يوشع ، حين همت الشمس
بالغروب ، فنادي ربه فاستجاب له ، فثناها عن الغروب ، استطاع شوقي
باستعارة موقف يوشع أن يعبر عن حسرته لاغترابه وحرمانه من تشييع جنازة سعد
، ومن جزعه لفراقه . ومن إدراكه للخسارة التي تكبدها الشرق كله بموت سعد ،
والتي كانت تحتاج إلي معجزة تؤخر حدوثها .

ويكفيك أن تقرأ البيت الثاني مره ثانية ، لكي تري ما فعله شوقي بموسيقي
البيت ، حين توالت كلمات بعينها مثل " أفلت " في نهاية الشطر الأول ، ثم "
همت " " فنادي " " فثناها " في الشطر الثاني ، ثم أليس العطف بالفاء – هو
الأخر ، قد منحنا الإحساس أمام حدث جلل ، يوشك أن يقع ، ولا بد من تفاديه
بأي ثمن ... ولعلنا بهذا الشاهد نكون قد أوضحنا ما عنيناه من قبل حين قلنا
، أن عاطفة شوقي ليست مدفوعة بغلبة الانفعال الصاخب ، أو الحاد ، ولكنها
العاطفة التي يحكمها عقل الفنان الخالق وأرادته الفنية حين يسيطران علي
التجربة ، ويخضعان لسلطانهما ، أقول ، ومن اليسير أن نربط بين هذه العاطفة
وبين " موقف " شوقي من التجديد ، بهذه الدرجة من الهدوء أخذ من التجديد ما
يتواءم مع مزاجه والأمر يختلف مع حافظ .

الباب الثاني



الفصل الأول : الاعتماد علي الإيقاع الموسيقي اعتمادا واعيا بوظيفته في المعني
الفصل الثاني : تدفق الصور الفنية المنبثقة من الصورة العامة للعمل الفني
الفصل الثالث : كيف كان شوقي ينظم شعره ؟
الفصل الرابع : من المعاني الوطنية في شعر أحمد شوقي


الفصل الأول
الاعتماد علي الإيقاع الموسيقي
اعتمادا واعيا بوظيفته في المعني

حديثنا عن موسيقي شوقي هو ركيزة البحث ، لأننا نبحث عن خصائص موسيقاه من
خلال فنون البديع ، وهنا . سنتكلم عن " الموسيقي العامة التي تندرج تحتها
فنون البديع الإيقاعية ، ويجمل الدكتور شوقي ضيف وصف هذه القدرة المتميزة
عند شوقي ، بقوله " ... ولا أبالغ إذا قولت أنني لا أستمع إلي قصيدة طويلة
لشوقي حتى أخال كأنني استمع حقاً إلي " سيمفونية " فموسيقاه تتضخم في أذني
واشعر أنها تتضاعف ، وكأن مجاميع من مهرة العازفين يشتركون في إخراجها ،
وفي إيقاع نغماتها ، ولا أرتاب في أن ذلك يرجع إلي ضبطه البارع لآلات
ألفاظه ، وذبذباتها الصوتية ، وليست المسألة مسألة حذق أو مهارة فحسب ، بل
هي أبعد من ذلك غوراً ، هي نبوغ وإلهام ، وإحساس عبقري بالبناء الصوتي
للشعر ، وهذه الروعة في الموسيقي تقترن بحلاوة وعذوبة لا تعرف في عصرنا
لغير شوقي وربما كانت تلك آيته الكبرى في صناعته ، فأنت مهما اختلفت معه
في تقدير شعره ، لا تسمعه حتى ترهف له أذنك ، وحتى تشعر كأنما يحدث فيها
ثقوباً ، هي ثقوب الصوت الصافي الذي تهدر به المياه بين الصخور ، والصوت
يعلو تارة فيشبه زئير البحار حتى تهيج ، وينخفض تارة فيشبه قطرات الفضة
التي تسقط من مجاديف الزوارق ، وهي تجري سابحة علي صفحة النيل ... " .

ولنأخذ مثالاً علي ذلك قصيدة " النيل " التي نظمها سنة 1914م ، يقول فيها :
 وبأي كف في المدائن تغدق                من أي عهد في القرى تتدفق
 من عليا الجنان جداولاً تترقرق          ومن السماء نزلت أم فجرت
وإذا استرسلنا مع بقية القصيدة استخرجنا المزيد من الدرجات الموسيقية ،
المتراوحة بين السرعة حين يكون الحديث عن التدفق والانفجار والانسكاب وبين
الهدوء والتدرج حين يكون عن أثار النيل فيما حوله من قري وحقول وحياض
وبرود مختلف ألوانها .

الفصل الثاني

تدفق الصور الفنية المنبثقة
من الصورة العامة للعمل الفني

وأعني بتدفق الصور ، انبثاقها من بؤرة واحدة ، تنطلق جميعاً هنا وهناك ،
ولكنها ترتبط بصلة وثقي بالمنبع ، وتدور حول فلك الأصل الواحد ولنأخذ
مثلاً لذلك قصيدة " الهلال " التي نظمها في عيد ميلاده الثلاثين ، يقول
فيها :
 لعمره ما في الليالي جديد             سنون تعاد ودهر يعيد
 فكيف تقول الهلال الوليد               أضاء لآدم هذا الهلال
 ويحصي علينا الزمان البعيد           نعد عليه الزمان القريب
علي صفحتيه حديث القري  وأيام عاد ودنيا ثمود
 وطيبة مقفرة بالصعيد                 وطيبة أهله بالملوك
 ويفني ببعض سناه الحديد              يزول ببعض سناه الصفا
 يبيد الليالي فيما يبيد                      ومن عجب وهو جد الليالي
 فيا ليت شعري بماذا تعود ؟           يقولون يا عام قد عدلت لي
لقد كنت لي أمس ما لم أرد              فهل أنت لي اليوم ما لا أريد
 شكي في الثلاثين شكوي لبيد           ومن صابر الدهر صبري له
 كأني " حسين " ودهري " يزيد "      ظمئت ومثلي بري أحق
 وداريت حتى صحبت الحسود          تغابيت حتى صحبت الجهول
نظم شوقي هذه القصيدة في مناسبة عيد ميلاده الثلاثين ، لقد انصرم عام أخر
من عمره ، ومن ثم كان من الطبيعي أن يلقي بنظره إلي الوراء ، ليري حصيلة
هذا العام ، بل ومقدار ما أنجزه في الثلاثين التي مضت ، إنه ليشعر بان تلك
السنون الخالية كانت جميعاً من نمط واحد ، فإحساسه بأن حياته مرت كلها علي
وتيرة واحدة يدفعه إلي إسقاط هذه الرتابة علي الزمن ذاته .

" سنون تعاد ودهر يعيد " هذه هي القضية العامة الذي يستهل بها الشاعر
قصيدته ولفظة " تعاد " تعني أن الدهر يرجع السنين لنا كما هي ، أو يجعلها
تؤوب إلينا كما رحلت عنا ، وهي تعني كذلك أن الدهر " يكرر " هذه السنين ،
وغني عن الذكر ما في المدلولين – وكلاهما مقصود – من صفة الرتابة والآلية
، السنون تعود وتعاد ، ولا شئ جديد .

والهلال يطل علي آدم ، ومن ولد آدم عاد وثمود .

ومن ولده المصريون بأمجادهم ، ومنهم أجداد الشاعر وآباؤه ، وهم العرب
المصريون ، ومن ولدهم الشاعر نفسه ، ومع الشاعر تتقلب الأيام بالأحداث ،
وعما رأته قبيلة عاد وقبيلة ثمود من عز ونعمة ثم دمرتا ، بل لا تختلف عما
رآه الصخر ، لقد كان صلداً فتفتت ، أو الحديد ، كان جلمداً فتذوب ، حتى
وجد الشاعر نفسه وقد شكي شكوي لبيب بعد أن طال به الأجل ، وهو لم يتجاوز
الثلاثين من عمره فهو آدم ، وهو طيبة ، وهو الصفا ، وهو الحديد ، بل هو
الحسين المغتال ، ودهره يزيد الجبار ، ولكن أتري ثمة علاقة بين قومه وقوم
عاد أو ثمود ؟ أتري ثمة علاقة بينه وبين صالح أو هود ؟ ولم لا ؟

أتري ثمة علاقة بينه وبين الهلال ، يضئ للناس في الأرض وهو مقيد بضوء الشمس ؟!

إن ظهور الهلال في عيد ميلاد الشاعر كان تبعاً لتدفق صور لا تنتهي ولو
أراد أن يتعقبها لما توقف عند البيت الثاني عشر ، لأن الدائرة التي رسمها
كانت غنية بالعطاء .

فشوقي كثيراً ما يجنح إلي استقصاء الصور الجزئية المرتبطة بالصورة العامة
لموضوعة وقد يصل بها الشكل النهائي إلي شكل دائري أو غير دائري ، ولكنه
مسبوك سبكاً ، ومتصل اتصالاً ، من كلا طرفيه .

وغني عن البيان أنني قد عرضت للخصائص التي لم يختلف عليها الكثير من دارسي
شوقي وشعره ، ولم أتحري الاستقصاء لانتزاع خصيصة هنا أو هناك ، أو ملمحاً
غاب عن الأذهان فقد احتاج إلي الرجوع إلي هذه الخصائص البارزة ، وقد
تستوقفني خصيصة أخري في ثنايا معالجتي لفنون البديع عند شوقي ، ولكن ما
اسعي إليه هو " بديع شوقي " لا " البديع البلاغي " .

 كيف كان شوقي ينظم شعره ؟

الفصل الثالث



يقول داوود بركات رئيس صحيفة الأهرام في عصره : كانت الحادثة من الحوادث
تقع صباحاً ، فلا يحل المساء حتى تذاع بين الجمهور بقصيدة شوقي ، لأنه كان
للحوادث تأثير شديد فيه ، يهز أعصابه ويستثير نفسه ويحفز خياله . وكان
أكثر ما ينظم الشعر وهو ماش أو واقف أو جالس إلي أصحابه ، يغيب عنهم بذهنه
وفكره ، يجلس إلي مكتبه للتفكير وعصر الذهن ، فإذا جلس إلي المكتب فلتدوين
ما يكون قد نظمه واستوعبه في ذاكرته فبين سيجارة وأخري يجد فكرته ، وبين
كلمه وأخري يجد الظرف الموافق لهيكل الفكرة .

أنه ينظم بين أصحابه فيكون معهم وليس معهم ، وينظم في المركبة وفي السكة
الحديدية وفي المجتمع الرسمي ، وحين يشاء وحيث يشاء ، ولا يعرف جليسه أنه
ينظم إلا إذا سمع منه بادئ بدء غمغمة تشبه النغم الصادر من غور بعيد ، ثم
رأي ناظريه وقد برقا وتواترت فيهما حركة المحجرين ثم بصر به وقد رفع يده
إلي جبينه ، وأمرها عليه إمراراً خفيفاً هنيهة بعد هنيهة ، فإذا قوطع في
خلال النظم انتقل إلي أي حديث يباحث فيه ، حاضر الذهن صافية جميل البادرة
كعادته في الحديث . ثم إذا استأنف ذلك المنظوم ولو بعد أيام طوال عاد إليه
كأنه لم ينقطع عنه مستظهراً ما تم منه ، حافظ لبقية المعني الذي يضمره
ويكتب القصيدة بعد تمامها وربما نسيها شهراً ثم ذكرها فكتبها في جلسة
واحدة .

لم يكن شوقي يختار وقتاً معلوماً لنظم شعره فهو مستعد دائماً لإقتبال ربة
الشعر كي تنزل عليه بإلهامها ، لكن المعروف عنه أنه كثيراً ما ينظم الشعر
بعد قضاء سهراته في المطاعم والنوادي وقد يظل ينظم حتى منتصف الساعة
الرابعة من الصباح ، وكأنه يسوي ليلاً ما صادته شباك ذاكرته نهاراً .

الفصل الرابع

من المعاني الوطنية
في شعر أحمد شوقي


يزخر ديوان شوقي بالمعاني الوطنية المتنوعة ، وقد ضمنت الصحف انتشار
قصائده وسرعة رواجها بين الناس كما ساهمت المناسبات المتزاحمة في ربط
الصلة بين معانيه الوطنية ومعاصريه ، فقد كان حساساً لما يجد علي أرض مصر
من حوادث حتى وهو في منفاه ، يلتقطها ليصدع من خلالها برأي أو موقف .

وقد رأينا أن نقسم هذه المعاني الوطنية في الشوقيات علي النحو التالي :

- نقد الإنكليز والمتواطئين معهم
- الوفاء لتراث مصر
- حب الوطن والتنويه بأبطاله
- استنهاض الهمم
- الإيمان بالشعب وبالمؤسسات والدستور
- التنويه بالثورة العربية
- الدعوة إلي العلم والمعرفة
- التسامح الديني

لئن كانت المعاني الوطنية في شعر شوقي موصولة العري متماسكة الأركان ، إلا
إن الباحث يحتاج إلي تصنيفها والنظر إلي زواياها المختلفة وقد اعتبرت هذه
المعاني الوطنية في مد وجذر بتوجه فيها شوقي بالقول للاستعمار حيناً و إلي
الشعب المصري ومجاهديه حيناً أخر .

لمتابعه الجزء الثاني

لمتابعه الجزء الثالث

لقاء الطفلة مريم مع امير الشعراء

 لقاء مع أمير الشعراء أحمد شوقي


مريم: السلام عليكم ورحمة الله و بركاته...أهلاً بالشاعر العظيم. يُسعدني -أنا مريم الصحفية الصغيرة المبتدئة- أن أُجري معك هذا اللقاء.

أحمد شوقي: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. مرحبا بصحفية المستقبل.
 مريم: هل لك أن تُعرّفنا قليلاً بنفسك؟! 

 الاسم: أحمد شوقي.
الموطن: مصر/ القاهرة
تاريخ الميلاد: 1868
عِشتُ في حي "المطرية" أحد أحياء القاهرة
والِدي "علي شوقي بن أحمد شوقي" ذو أصل كُردي... و أمّي تُركية الأصل. وأنا مُنْحَدِرٌ من أسرة مثقّفة.
كفلتني جدتي من أمي منذ أن كنت صغيراً.                      
         ​
   
علي شوقي والد الشاعر أحمد شوقي                                        ​
  
 لما بلغت الرابعة من عمري التحقت بالكُتّاب، فحفظت قدرًا من القرآن، وتعلّمت مبادئ القراءة والكتابة، ثم التحقت بمدرسة المبتديان الابتدائية، وأظهرت فيها نبوغًا واضحًا كوفئت عليه بإعفائي من مصاريف المدرسة. درست الحقوق، وبعد عامين نلت شهادة في الترجمة، ثم سافرت لدراسة القانون في الخارج (وتحديدا بفرنسا)؛ وفي هذه الأثناء درست الأدب الفرنسي. وتخرجت في 18 يوليو عام (1893).
عدت إلى مصر بعد الانتهاء من الدراسة في فرنسا عام (1894).

مريم: مدرسة الإحياء والبعث .. لطالما تردد هذا الاسم على آذاننا، نرجو أن تُعرّفنا أكثر بتلك المدرسة؟

أحمد شوقي: مدرسة "الإحياء والبعث" هو اسم أُُطلق على الحركة الشعرية التي ظهرت في أوائل العصر الحديث.
ويُقصد بذلك الاسم، أنه كما تعود الروح إلى الجسد فتحييه من جديد؛ فذاك هو الحال مع الشعر العربي الذي أخذ في الضعف بعد سقوط بغداد في أيدي التتار .. فهو سيعود للنهوض من جديد!!
ويُعَد "محمود سامي البارودي" رائد هذه المدرسة ( أي الإحياء والبعث). وقد التزمت أنا وشعراء آخرون بمنهج هذه المدرسة في تأليف الشعر (كالشعراء حافظ إبراهيم (شاعر النيل)، وأحمد محرم، وعلي الجارم، وغيرهم...)
أمّا منهج هذه المدرسة، فهو مطبوع بسمات الشعر العربي القديم... إذ تقيد الشعراء فيه بالبحور الشعرية المعروفة، وبقافية واحدة في كل قصيدة ..هذا بالإضافة إلى استخدام أساليب المديح والرثاء والغزل والوصف؛ وهي الأغراض التقليديّة في قول الشعر عند العرب.
 وتعد هذه المدرسة إحدى أكبر الأعمال التي ساهمت فيها.

مريم : حسناً ربما سأشارككم في هذه المدرسة مستقبلا لو أُغرمت بقول الشعر، لكن لو تفضلت عدّد لنا البعض من أهم أعمالك الأدبيّة؟

* ديوان الشوقيات
اسم الكتاب: الشوقيات
للمؤلف: أحمد شوقي

​ وهو ديوان يحتوي على كثير من أشعاري، تناولت فيها مواضيع متنوعة ومتعددة. وقد قُسم إلى أربعة أجزاء
تحدثت القصائد في الجزء الأول عن السياسة والتاريخ والاجتماع ، من أشهرها القصيدة "الهمزية" و"نهج البردة".
الجزء الثاني احتوى قصائد الوصف والغزل، و غيرها من القصائد المتنوعة.
الجزء الثالث نظم الشعر بأسلوب الرثاء فقط.
الجزء الرابع يشتمل على قصائد متنوعة:
ففيه قصائد عن السياسة والتاريخ، وفيه قصائد تدل على مناسبات خاصة بي (ولذا أُطلق عليها اسم "الخصوصيات")، وفيه قصائد عن الحيوانات؛ وهي عبارة عن قصص شبيهة بقصص "كليلة و دمنة"، وفيه كذلك قصائد للأطفال.

* المسرحيات:
كنت أنا أول من أدخل الفن المسرحي إلى الأدب في الوطن العربي.. ومن أهم مسرحياتي:
* مسرحية "مصرع كليوبترا"

* مسرحية "مجنون ليلى"... وهي مسرحية شعرية

مريم: إذاً ما سر حصولك على لقب أمير الشعراء يا ترى؟

شهد الجميع بعبقريتي الفذة .. فكانت لي مكانة مرموقة في نفوس جميع الشعراء؛ لذا تم إقامة مهرجان خاص في القاهرة، قام الشعراء فيه بمبايعتي على السيادة في هذا المجال، ومنحوني لقب (أمير الشعراء) سنة 1927م.

  بعدها قام الشعراء بإلقاء القصائد في مدحــي .. منها ما قالــه "حافظ إبراهيم":
أمير القوافي قد أتيت مبايعًا وهذى وفود الشرق قد بايعت معي..​

إضافة إلى ما قاله الشاعر "محمود أبو الوفا":
وخالد الشعر سوف يبقى مرايا تجتلي في صفائها الأشيـاء ...

                       يا أمير البيان إنّ بيـاني فيـك اعتنت عبرتـه الأضـواء   

مريم : والآن نريد أن نتعرف على صفات شعرك والمجال الذي اهتممت به؟

أحمد شوقي: أنتِ تُخجلين تواضعي الشديد.. ولكنني سأتحدث بكل وضوح..
تميز شعري بالتنوع؛ فأبدع قلمي في كثير من المواضيع.
فكتبت في مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم..

وكتبت أيضا مدحا للمعلم تقديرا لقيمته في قصيدة بعنوان "قم للمعلم"، وكتبت في حب وطني مصر.
كتبت في السياسة ومشاكل الدولة "مما كان سبباً لنفيي إلى الأندلس"
إضافة إلى أنني كتبت عن المواضيع الاجتماعية التي رأيتها في عصري.
ومن أكثر ما ميّزني عن غيري من الشعراء هو تعبيري عما يدور بداخلي بكل شفافية ووضوح، فما أعجبني أمتدحته وما خالفته ذممته، غير مبالٍ بصحة ما أتحدث عنه أو خطئه، متجاهلاً رأي الآخرين ..
مما جعل كلماتي متصفة بسمة خاصة هي الصدق!!
استخدمت أسلوب الرثاء بأنواعه الثلاثة: الندب والتأبين والعزاء.
استخدمت أيضاً الغزل بكثرة، إضافة إلى الوصف.

 تميزت بالذكاء والفطنة، وهذا ما يشهده لي زملائي ومُعلمي ..
فتحدث عني الشيخ البسيوني "أحد علماء الأزهر"  مما كان له الدور الأكبر في اهتمامه الخاصّ بي.

مريم : أصدقائي أريد ان أحدّثكم قليلاً عن متحف أحمد شوقي​

 هو متحف يقع على كورنيش النيل في الجيزة بمصر، وقد تم بناء هذا المتحف تكريماً "لأمير الشعراء".

 واتخذ بناء المنزل تصميماً مسرفاً لقصر أبيض اللون، وهو محاط بحديقة خضراء، افتُتح المتحف رسميا في 17 يونيو 1977. يوجد في حديقة المتحف تمثال كبير للشاعر من البرونز قام بنحته الفنان المصري "جمال السجيني". حيث تم ازاحة الستار عن التمثال في الذكرى الخمسين لوفاة الشاعر الكبير. وقد أمرت الحكومة الإيطالية في 1962 بصناعة تمثال للشاعر أحمد شوقي ليوضع في حدائق "فيلا بورغيزي" إحدى أشهر وأكبر حدائق روما، بوصفه فناناً عالمياً.

 داخل المتحف في الطابق الأرضي (وتحديدا في جناح محمد عبد الوهاب) توجد مكتبة "أحمد شوقي"، وهي تحوي 332 كتاباً؛ إضافة إلى مسودات شعره بخط يده. وهناك أيضا أعمال منسوبة للمطرب والملحن "محمد عبد الوهاب" الذي قدمه أحمد شوقي إلى الفن، والذي قدم أعمالاً من كتابة أحمد شوقي. كما توجد مكتبة سمعية عالية التقنية في المتحف تحوي تسجيلات لأداء غنائي لعبد الوهاب بحضور أحمد شوقي.

الطابق العلوي يتضمن غرفة نومه إضافة لغرفة نوم زوجته خديجة شاهين. كما يوجد بغرفة أخرى بالطابق العلوي أكثر من 750 مخطوطة ومسودة لأعمال الشاعر، ومجموعة من اللوحات الزيتية والتحف والصور التي تتعلق بحياة أحمد شوقي.

كما توجد غرفة أخرى تحوي عددا من الجوائز والأوسمة وشهادات التقدير والهدايا التي حصل عليها الشاعر الراحل.

مريم: وفجأة  لمحت أثناء جلوسي شيئاً جعلني حزينة إنه التقويم المعلق على الجدار .. اليوم الذي عُدت إليه إنه...  الرابع عشر من أكتوبر من سنة 1932.
لا يمكنني أن أبقى أكثر .. لا أريد أن أرى رحيل ذلك الشاعر العظيم..
في ذلك اليوم غادر أحد أروع الأدباء .. لكنه خلّف وراءه ذكرى عظيمة ..
ذكرى ستظل عالقة في نفس كل إنسان اهتم بالشعر الراقي
ذكرى شاعر عظيم فتح أبواباً في الأدب العربي لم يطرقها أبداً شاعر قبله ..
الآن سأعود من حيث أتيت، وأترك زمن الفن الجميل .. ولكن قبل عودتي كان علي أن أودع أمير الشعراء أحمد شوقي

أتمنى يا أصدقائي أن تكونوا قد استفدتم من تلك الرحلة الممتعة، وتعرفتم أكثر على شخصيتنا الرائعة...

طفلة تتخيل لقاء مع احمد شوقي


أهلاً و سهلاً بكم مجدداً أعزائي القراء .. لنا اليوم وقفة و لقاء مع الشاعر أحمد شوقي كما ذكرنا مسبقاً
لن أطيل عليكم .. فتفضلوا مع تمنياتي لكم بقراءة ممتعة

لقاء مع شوقي


السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ..

أهلاً بالشاعر العظيم يسعدنا نحن صحفيو مجلة مكسات الثقافية المتخصصة بروائع الأدب العربي أن نجري معك هذا اللقاء

و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته
^^


هل لك أن تعرفنا قليلاً عن نفسك ^^ ؟!

الأسم : أحمد شوقي.
الموطن : مصر / القاهرة
تاريخ الميلاد : 1868

عشت في حي "المطرية" أحد أحياء القاهرة والدي "علي شوقي بن أحمد شوقي" ذو أصل كردي.. و أمي تركية الأصل ،إضافة إلى أنني من أسرة مثقفة .

كفلتني جدتي من أمي منذ أن كنت صغيراً .
بداية تعليمي كانت في كُتٌاب الشيخ صالح عند بلوغي سن الرابعة عشر ،
بعدها أتممت المرحلة الأبتدائية و الثانوية و أنا في سن الخامسة عشر ، بعد أن ألتحقت بمدرستي "المبتديان" و " التجهيزي".
أُعفيت من المصروفات بسبب تميزي .
درست الحقوق و بعد عامين نلت شهادة في الترجمة ، ثم سافرت لدراسة القانون في الخارج (في فرنسا) ،
و في هذه الأثناء درست الأدب الفرنسي حتى تخرجت في 18 يوليو عام (1893).
عند عودتي إلى مصر بعد الأنتهاء من الدراسة في فرنسا في عام (1894) .. أصبحت لي مكانة مقربة عند الخديوي .

مدرسة الإحياء و البعث .. لطالما تردد هذا الأسم على آذاننا ، نرجو أن تعرفنا أكثر على تلك المدرسة .

مدرسة الإحياء و البعث هو اسم يطلق على الحركة الشعرية التي ظهرت في أوائل العصر الحديث .
يُقصد بأسم الإحياء و البعث .. أنه كما تعود الروح إلى الجسد فتحييه من جديد
فهذا هو الحال مع الشعر العربي الذي أخذ في الضعف بعد سقوط بغداد في أيدي التتار .. لكنه سيعود للنهوض من جديد !!
يعد محمود سامي البارودي هو رائد مدرسة الإحياء و البعث ،
و التزمنا بهذا النهج [ أنا ] و الشعراء : حافظ إبراهيم (شاعر النيل) ، وأحمد محرم ، وعلي الجارم ، و غيرهم .
أتسمت هذه المدرسة بسمات الشعر العربي القديم .. فتقيد الشعراء فيها بالبحور الشعرية ، و قافية واحدة في كل قصيدة ..
إضافة إلى أستخدام أساليب المديح والرثاء والغزل والوصف .
|| تعد هذه المدرسة إحدى أكبر الأعمال التي ساهمت فيها  ||

  !!
حسناً ربما سأذهب لأشارككم في هذه المدرسة أسرد لنا بعض أهم أعمالك لو سمحت  .

- ديوان الشوقيات
أسم الكتاب: الشوقيات
للمؤلف : أحمد شوقي [أنا]


ديوان يحتوي على كثير من أشعاري.. و التي تناولت فيها مواضيع منوعة و متعددة .
و قد قسم إلى أربعة أجزاء
تحدثت القصائد في الجزء الأول عن السياسة و التاريخ و الأجتماع ، من أشهرها القصيدة "الهمزية " و "نهج البردة" .
الجزء الثاني أحتوى قصائد الوصف و الغزل ، و غيرها قصائد متنوعة .
الجزء الثالث تناول الشعر بأسلوب الرثاء فقط .
الرابع يشتمل على قصائد متنوعة :
فيه قصائد عن السياسة و التاريخ ، فيه قصائد تدل على مناسبات خاصة لي ^^ و لذا أُطلق عليها أسم "الخصوصيات" ،
فيه قصائد عن الحيوانات .. و هي عبارة عن قصص شبيهة بقصص "كليلة و دمنة" ،
و فيه قصائد للأطفال .

- المسرحيات :
كنت أنا أول من أدخل الفن المسرحي في الوطن العربي .. و من أهم مسرحياتي :
مسرحية "مصرع كليوبترا"

مسرحية "مجنون ليلى" .. و هي مسرحية شعرية
و من أبيات المسرحية :-

مسرحية "قمبيز"

مسرحية "علي بك الكبير"

مسرحية "عنترة"

- ملهاة "الست هدى"

- أرجوزة "دول العرب وعظماء الإسلام" التي بلغ عدد أبياتها 1729 بيتاً.

- مجموعة مقالات صدرت عام 1351هـ تسمى " أسواق الذهب ".

- رواية "عذراء الهند" .


ما سر حصولك على لقب أمير الشعراء يا ترى  ؟!

شهد الجميع بعبقريتي الفذة .. فكان لي مكانة مختلفة في نفوس جميع الشعراء .
لذا تم إقامة مهرجان خاص في القاهرة قام الشعراء فيه بمبايعتي على السيادة في هذا المجال ،
و منحوني لقب(أمير الشعراء) سنة 1927 م

بعدها قام الشعراء بإلقاء القصائد في مدحي .. منها ما قاله "حافظ إبراهيم" :
أمير القوافي قد أتيت مبايعًا وهذى وفود الشرق قد بايعت معي..

إضافة إلى ما قاله الشاعر "محمود أبوالوفاء":
وخالد الشعر سوف يبقى مرايا تجتلي في صفائها الأشيـاء .... يا أمير البيان إنّ بيـاني فيـك اعتنت عبرتـه الأضـواء

و الآن نريد أن نتعرف على صفات شعرك و المجال الذي أهتممت به

أنتي تخجلين تواضعي الشديد

 .. و لكنني سأتحدث بكل وضوح  ..
تميز شعري بالتنوع فأبدع قلمي في كثير من المواضيع  .
فتارةً كتبت في مدح رسول الله محمد صلى الله عليه و سلم .. و مما كتبته في هذا :-

وُلِـدَ الهدى فالكائنات ضياء وفم الزمان تبسم وثناء
الروح والملاء الملائك حوله للدين والدنيا به بشراء
وحديقة الفرقان ضاحكة الربا بالترجمان شذية غناء
والوحي يقطر سلسلاً من سلسل واللوح والقلم البـديع رواء
نظمت أسامي الرسل فهـي صحيفة في اللوح واسم محمد طُغراء
الذكر آية ربّك الكبـرى الّتي فيها لباغي المعجزات غناء


و تارةً كتبت في حب وطني مصر  ،
كتبت في السياسة و مشاكل الدولة [مما كان سبباً لنفيي إلى الأندلس ] ..
إضافة إلى أنني كتبت عن المواضيع الأجتماعية التي رأيتها في عصري .

من أكثر ما ميزني عن غيري من الشعراء هو تعبيري عما يدور بداخلي بكل شفافية و وضوح .
فما أعجبني أمتدحه و ما خالفته ذممته ، متجاهلاً صحة ما أتحدث عنه أو خطأه ، متجاهلاً رأي الآخرين.. مما يجعل كلماتي تتصف بسمة خاصة لأنها نابعة بكل صدق !!
أكثرت في شعري من نظم المدح ، تجنبت الهجاء [ لكنني لم أعرض عنه بالكامل ^^" ] ..
أستخدمت أسلوب الرثاء بأنواعه الثلاثة : الندب والتأبين والعزاء.
أستخدمت أيضاً الغزل بكثرة إضافة إلى الوصف .

تميزت بالذكاء و الفطنة و هذا ما يشهده لي زملائي و معلمي ..
فتحدث عني الشيخ البسيوني [ أحد علماء الأزهر ] عند الخديوي توفيق ، مما كان له الدور و الأثر الأكبر في اهتمامه بي .

لمحت أثناء جلوسي شيئاً جعلني إنه التقويم المعلق على الجدار .. اليوم .

. اليوم الذي عدت إليه

 إنه .. إنه الرابع عشر من اكتوبرعام 1932 .
لا يمكنني أن أبقى أكثر .. لا أريد أن أرى رحيل ذلك الشاعر العظيم ..

في ذلك اليوم غادر أحد أروع الأدباء .. لكنه خلف وراءه ذكرى عظيمة ..

ذكرى ستظل عالقة في نفس كل إنسان أهتم بالشعر الراقي ^^

ذكرى شاعر عظيم فتح أبواباً في الأدب العربي لم يطرقها أبداً شاعر قبله ..

الآن سأعود من حيث أتيت .. و لكن قبل عودتي كان علي أن أفعل شيئاً سرقــ .. أقصد أستعرت  يوميات الشاعر أحمد شوقي ..
لأحكيها لكم و نعرض بعض المقتطفات من سيرته العطرة

لنبدأ...

بعد عودة أحمد شوقي من منفاه إلى مصر بنى منزلاً جديداً في الجيزة على كورنيش النيل.. و الذي تحول فيما بعد للمتحف المعروف بـ ( متحف أحمد شوقي )
أُعد المتحف تكريماً للشاعر العظيم بعد وفاته .
بدا المنزل كقصر أبيض تحيط به حديقة خضراء ،
يوجد في تلك الحديقة تمثال للشاعر من البرونز نحته الفنان المصري "جمال السجيني".

و من بعده قامت الحكومة الإيطالية بصناعة تمثال لشوقي ، ليضعوه في أكبر حدائق روما .. ألا و هي "حدائق فيلا بورغيزي"

أُفتتح المتحف في السابع عشر من يونيو عام 1977 .
من ضمن محتويات المتحف مكتبة أحمد شوقي و التي تحتوي على 332 كتاب إضافة إلى أشعار مكتوبة بخط يده .
و عدد من الجوائز و الأوسمة و الهدايا و شهادات التقدير ،
و مجموعة صور و لوحات زيتية و العديد من التحف !!

|| بعثــوا الخـلافة سيرة في النـــادي أين المبـــايع بـالإمــام ينـــادي ||
مقولة أحمد شوقي الشهيرة و التي خطها قلمه و قد كانت الدولة العثمانية تسقط في الوادي السحيق .
لتقوم من بعدها حكومة الأنجليز التي أبتعدت كل البُعد عن تقاليد الدين الإسلامي و امتلأت بتقاليد الغرب .
لكن قلمه لم يتوقف .. فحسه الوطني كان يناشد الحرية في كل لحظة مما أدى إلى نفيه في عام 1914هـ ..
بقيَ أربع سنوات و نصف بعيداً عن تراب وطنه .. ثم عاد بعد أن هدأت الحرب العالمية الأولى

من البلدان التي حظيت بأهتمام "شوقي" هي "دمشق" .. فقد زارها مرتين .
و كانت زيارته الثانية في عام 1925 ، برفقة المطرب "محمد عبد الوهاب" .
و بادر سكان المدينة بإقامة الأحتفالات و الولائم ، و من أشهرها الحفلة التي أقامها الشاعر فخري البارودي في بيته بحي "القنوات" ،
و قد دعا إليها الكثير من الشعراء و الأدباء و الفنانين .
و قد نشر صاحب الحفل - الشاعر فخري البارودي – مقالة بعنوان ( ليالي الفن في بلاد الشام ) تحدث فيها عن أحداث الأحتفال .

جزء من المقالة :-

(( .. وأذكر أيضاً أن أحمد شوقي لم يتكلم في تلك الليلة وكان يجلس في الزاوية ينظر إلينا
وكأنه لا يرانا وكانت جفونه ترتعش بين حين وآخر كأنها تلتقي بوحي ،
وفجأة استيقظ شوقي من غفوته و..
سألني : عندكم قاموس ؟‏ .. وقلت : عندنا قواميس وهي " تاج العروس " و " المحيط " و
" وأقرب الموارد " !
و قال لي شوقي : - شوٌف لي ..
هل يصح لغة أن يقال ( بغدان ) بالنون بدلا ً من ( بغداد ) بالدال ؟
وفتحت القاموس وقلت له : يصح .. لقد ورد اسمها ( بغداد ) و ( بغدان ) و( بغذاذ )
وعرفنا أن أمير الشعراء كان ينظم ليلتها قصيدته الخالدة - قم ناج جلق وانشد رسم من بانوا ..
فعلمنا أيضاً أن شوقي كان يلذ له دائماً أن ينظم الشعر على أنغام صوت عبد الوهاب أو أي صوت شجي آخر)).

و قد أقام المجمع العلمي العربي بدمشق حفل للشاعر أحمد شوقي بمناسبة زيارته لدمشق ..
و في الحفل ألقى بعض الشعراءقصائدهم .. و منها ما أنشده الأستاذ "شفيق جبري" :-
(( غن َ الديار وقد نزلت بآلها فعسى القوافي أن تذكر آلها قم في ديار بني أمية باكياً
في الشام إن سمح الهوى أطلالها ))
و بعده الأستاذ "خليل مردم" وأنشد قصيدته :-
((يا شاعرا ً والدهر بعض رواته باتت عليك تحاسد الأقوام للعبقرية في قريضك
طامع وعليه من أي النبوغ وسام))

و من ثم تبعهم أساتذة الأدب و الشعر في إلقاء خطابات ترحيبية للشاعر شوقي .

ثم ترأس الأستاذ "نجيب الريس" المنصة ليلقي قصيدة أمير الشعراء – إذ كان أحمد شوقي يختار أحدهم لينوب عنه في إلقاء شعره –
لكن الحضور و ما أثاروه من ضجة مطالبين برؤية أمير الشعراء ،
قد دفع "شوقي" للظهور .. و وقوفه بجانب "نجيب الريس" حتى أنتهى من إلقاء ...
القصيدة الـ [دمشقية] :-
كانت تلك القصيدة من أروع قصائد الشاعر أحمد شوقي ..
تألقت قصائده و أشعاره فس ربوع الأدب ..
تألق و تميز بأسلوبه الراقي الرفيع .. أستطاع أن يأسر محبي الشعر في كل مكان
قصائده تمر على كل لسان ، كبيراً كان أو صغيراً - و إن كان ليس من محبي الأدب -
أترككم مع بعض تلك الروائع لتتعرفوا عليها .


| قصيدة قم للمعلم :-
تجلى أسلوب شوقي بهذه القصيدة في مدح المعلم ..
حيث أنه يؤدي مهمة جليلة و يحاول إيصال رسالة عظيمة ألا و هي العلم .
فها هو (المعلم) قد حظي بفرصة أن يكون المحور الأساسي في إحدى أعظم القصائد ..
فيقول شوقي :-

تغنٌى شوقي بمدح رسول الله صلوات ربي و سلامه عليه ..
فكتب قصيدته "نهج البردة" التي تحدث فيها عن خير البرية ، و خاتم المرسلين ..

قصه هرتي

 هرتي

يقول في "هرتي":

هرتي جِدُّ أليفة              وهي للبيت حليفة
هي ما لم تتحركْ            دميةُ البيت الظريفة
فإذا جاءت وراحتْ            زِيدَ في البيت وصيفة
شغلها الفأر تنقِّي           الرفَّ منه والسقيفة
وتقوم الظهرَ والعصـْ      ـرَ بأدوارٍ شريفةْ
ومن الأثواب لم تمـْ           ـلِكْ سوى فَرْوٍ قطيفة
كلَّما استونحَ أو آوى  البراغيثَ المطيفة
غسلته وكوته              بأساليب لطيفة
وحَّدتْ ما هو كالحمَّـ          ـام والماء وظيفة
صيَّرَتْ ريقتها الصَّابونَ والشاربَ ليفة
***

لا تمرنَّ على العيـ           ــن ولا بالأنف جيفة
وتعوَّد أن تُلاقي             حسن الثوب نظيفهْ
إنما الثوب على الإنْـ          ـسانِ عنوان الصحيفةْ
***

السفينة والحيوانات

ويقول في "السفينة والحيوانات":

لما أتَّم نوحٌ السفينة
وحركتها القدرةُ المعينة
جرى بها مالا جرى ببالِ
فما تعالى الموجُ كالجبالِ
حتَّى مشى الليثُ مع الحمارِ
وأخذ القطُّ بأيدي الفارِ
واستمع الفيلُ إلى الخنزيرِ
مؤتنسًا بصوته النكيرِ
وجلس الهرُّ بجنب الكلبِ
وقبَّل الخروفُ نابَ الذئبِ
وعطفَ البازُ على الغزالِ
واجتمع النملُ على الآكالِ
وفلَّتْ الفرخةُ صوفَ الثعلبِ
وتيَّمَ ابن عرس حبُّ الأرنبِ
فذهبت سوابقُ الأحقادِ
وظهر الأحبابُ في الأعادي
حتى إذا حطُّوا بسفح الجودي
وأيقنوا بعودةِ الوجودِ
عادوا إلى ما تقتضيه الشيمة
ورجعوا للحالة القديمة
فقسْ على ذلك أحوال البشر
وإن شمل المحذور أو عمَّ الخطر
بينا ترى العالم في جهادِ
إذ كلهم على الزمان العادي


قصة الثعلب والديك

  ( قصة الثعلب والديك )

قصة شعرية قصيرة لأمير الشعراء أحمد شوقى ,
تحكى قصة ثعلب إدعى الإيمان والزهد وحتى يستطيع أن يلتهم الديك كفريسة له ,
قد تكون هذه القصة قصة طريفة للأطفال , ولكن فى واقع الأمر هذه القصة تحكى عن أيامنا هذه وقد كثر أمثال الثعلب ,
والذين يلبسون عباءة الإسلام ليسترون بها أطماعهم الشخصية ,
وأصبحوا يطلقون الفتاوى المضللة للمسلمين بغير علم ,
ولكن هيهات , فإن الله متم نوره ولو كره الكافرون والمنافقين

قصة الثعلب والديك

برز الثعلب يوماً
فى شعار والواعظينا

فمشى فى الأرض يهذى
ويسب الماكرينا

ويقول : الحمد لله
إله العالمينا

ياعباد الله توبوا
فهو كهف التائبينا

وازهدوا فى الطير إن
العيش عيش الزاهدينا

واطلبوا الديك يؤذن
لصلاة الصبح فينا

فأتى الديك رسول
من إمام الناسكينا

عرض الأمر عليه
وهو يرجو أن يلينا

فأجابا الديك :عذرا ً
ياأضل المهتدينا

بلغ الثعلب عنى
عن جدودى الصالحينا

عن ذوى التيجان ممن
دخل البطن اللعينا

إنهم قالوا وخير
القول قول العارفينا

مخطىء من ظن يوما ً
أن للثعلب دينا

قصة الأسد ووزيره الحمار

"الأسد ووزيره الحمار " حكاية شعرية بقلم أحمد شوقي

الأسد ووزيره الحمار

 

الليث ملك القفار

وما تضم الصحاري

سعت إليه الرعايا

يوماً بكل انكسار

قالت: تعيش وتبقى

يا دامي الأظفار

مات الوزير فمن ذا

يسوس أمر الضواري؟

قال: الحمار وزيري

"ماذا رأى في الحمار؟"

وخلفته، وطارت

بمضحك الأخبار

حتى إذا الشهر ولى

كليلة أو نهار

لم يشعر الليث إلا

وملكه في دمار

القرد عند اليمين

والكلب عند اليسار

والقط بين يديه

يلهو بعظمة فار!

فقال: من في جدودي

مثلي عديم الوقار؟!

أين اقتداري وبطشي

وهيبتي واعتباري؟!

فجاءه القرد سراً

وقال بعد اعتذار:

يا عالي الجاه فينا

كن عالي الأنظار

رأي الرعية فيكم

من رأيكم في الحمار!

قصيدة عمر المختار

عمر المختار

رَكَـزُوا رُفـاتَكَ فـي الرّمـال لِـواءَ .................. يَســتنهضُ الـوادي صبـاحَ مَسـاءَ
يـا وَيْحَـهم! نصبـوا مَنـارًا مـن دمٍ .................. تُوحِــي إِلـى جـيل الغـدِ البَغْضـاءَ
مـا ضـرَّ لـو جَـعلوا العَلاقَة في غدٍ .................. بيــن الشــعوب مَــوَدَّةً وإِخـاءَ?
جُـرْحٌ يَصيـحُ عـلى المدَى, وضَحِيَّةٌ .................. تتلمَّسُ الحريَّـــــةَ الحــــمراءَ
يأَيُّهــا الســيفُ المجــرَّدُ بـالفَلا .................. يكسـو السـيوفَ عـلى الزمان مَضاءَ
تلــك الصحـارى غِمْـدُ كـلِّ مُهَنِّـدٍ .................. أَبْــلَى فأَحســنَ فـي العـدوِّ بَـلاءَ
وقبــورُ مَـوْتَى مـن شـبابِ أُمَيَّـةٍ .................. وكهــولِهم لــم يبْرَحُــوا أَحيـاءَ
لــو لاذَ بــالجوزاءِ منهـم معقِـل.................. دخــلوا عــلى أَبراجِهـا الجـوزاءَ
فتحــوا الشَّــمالَ: سُـهولَهُ وجبالَـهُ ..................وتوغَّلــوا, فاســتعمروا الخـضراءَ
وبَنَــوْا حضـارتَهم, فطَـاوَلَ ركنُهـا .................. (دَارَ الســلامِ), و(جِــلَّقَ) الشَّـمّاءَ
خُـيِّرْتَ فـاخْتَرْتَ المبيـتَ على الطَّوَى .................. لــم تَبْــنِ جاهًــا, أَو تَلُـمَّ ثَـراءَ
إِنَّ البطولــةَ أَن تمـوتَ مـن الظمأ .................. ليس البطولـــةُ أَن تَعُــبَّ المــاءَ
إِفريقِيــا مَهْــدُ الأُســودِ ولَحْدُهـا .................. ضجَّــتْ عليــكَ أَراجـلاً ونسـاءَ
والمسـلمون عـلى اخـتلافِ ديـارِهم ..................لا يملِكـون مـعَ الـمُصَـابِ عَـزاءَ
والجاهليــةُ مــن وَراءِ قُبــورِهم .................. يبكــون زَيْــدَ الخــيل والفَلْحـاءَ
فــي ذِمَّــة اللـهِ الكـريمِ وحفظِـه .................. جَسَــدٌ (ببرْقة) وُسِّــدَ الصحــراءَ
لـم تُبْـقِ منـه رَحَـى الوقـائِع أَعظُمًا .................. تَبْــلَى, ولــم تُبْـقِ الرِّمـاحُ دِمـاءَ
كَرُفــاتِ نَسْــرٍ أَو بَقِيَّــةِ ضَيْغَـمٍ ..................باتـــا وراءَ السَّـــافياتِ هَبــاءَ
بطـلُ البَـداوةِ لـم يكـن يَغْـزو على .................. "تَنْكٍ", ولــم يَـكُ يـركبُ الأَجـواءَ
لكــنْ أَخـو خَـيْلٍ حَـمَى صَهَواتِهـا .................. وأَدَارَ مـــن أَعرافهــا الهيجــاءَ
لَبَّــى قضـاءَ الأَرضِ أَمِس بمُهْجَـةٍ .................. لــم تخْــشَ إِلاَّ للســماءِ قَضـاءَ
وافــاهُ مَرْفــوعَ الجــبينِ كأَنــه .................. سُــقْراطُ جَــرَّ إِلـى القُضـاةِ رِداءَ
شَــيْخٌ تَمــالَكَ سِــنَّهُ لـم ينفجـرْ .................. كـالطفل مـن خـوفِ العِقـابِ بُكـاءَ
وأَخــو أُمـورٍ عـاشَ فـي سَـرَّائها .................. فتغـــيَّرَتْ, فتـــوقَّع الضَّــراءَ
الأُسْـدُ تـزأَرُ فـي الحـديدِ ولـن ترى .................. فـي السِّـجنِ ضِرْغامًـا بكى اسْتِخْذاءَ
وأَتــى الأَسـيرُ يَجُـرُّ ثِقْـلَ حَـديدِهِ .................. أَسَـــدٌ يُجَــرِّرُ حَيَّــةً رَقْطــاءَ
عَضَّــتْ بسـاقَيْهِ القُيـودُ فلـم يَنُـؤْ .................. ومَشَــتْ بهَيْكلــه السّــنون فنـاءَ
تِسْـعُونَ لـو رَكِـبَتْ مَنـاكِبَ شـاهقٍ .................. لترجَّـــلَتْ هَضَباتُـــه إِعيـــاءَ
خَـفِيَتْ عـن القـاضي, وفات نَصِيبُها .................. مــن رِفْــق جُــنْدٍ قـادةً نُبَـلاءَ
والسِّـنُّ تَعْصِـفُ كُـلَّ قَلْـبِ مُهَـذَّبٍ .................. عَــرَفَ الجُــدودَ, وأَدرَكَ الآبــاءَ
دفعــوا إِلـى الجـلاَّدِ أَغلَـبَ مـاجدًا .................. يأْسُــو الجِـراحَ, ويُطلِـق الأُسَـراءَ
ويُشــاطرُ الأَقــرانَ ذُخْـرَ سِـلاحِهِ .................. ويَصُــفُّ حَــوْلَ خِوانِـه الأَعـداءَ
وتخــيَّروا الحــبلَ المَهيــنَ مَنيّـةً .................. للَّيْــثِ يلفِــظ حَوْلَــهُ الحَوْبــاءَ
حَـرموا الممـاتَ عـلى الصَّوارِم والقَنا ..................مَـنْ كـان يُعْطِـي الطَّعْنَـةَ النَّجْـلاءَ
إِنـي رأَيـتُ يَـدَ الحضـارةِ أُولِعَـتْ .................. بـــالحقِّ هَدْمــا تــارةً وبِنــاءَ
شـرَعَتْ حُـقوقَ النـاسِ فـي أَوطانِهم .................. إِلاَّ أُبـــاةَ الضَّيْـــمِ والضُّعَفــاءَ
يــا أَيُّهَـا الشـعبُ القـريبُ, أَسـامعٌ .................. فـأَصوغَ فـي عُمَـرَ الشَّـهِيدِ رِثاءَ?
أَم أَلْجَـمَتْ فـاكَ الخُـطوبُ وحَـرَّمت .................. أُذنَيْــكَ حـينَ تُخـاطِبُ الإِصْغـاءَ?
ذهــب الـزعيمُ وأَنـتَ بـاقٍ خـالدٌ .................. فــانقُد رِجـالَك, واخْـتَرِ الزُّعَمـاءَ
وأَرِحْ شـيوخَكَ مـن تكـاليفِ الـوَغَى .................. واحْــمِلْ عــلى فِتْيـانِكَ الأَعْبـاءَ

قصيدة أيها النيل

أيها النيل


مِـنْ أَيِّ عَهـدٍ فـي القُـرَى تتَـدَفَّقُ? ..................وبــأَيِّ كَـفٍّ فـي المـدائن تُغْـدِقُ?
ومـن السـماءِ نـزلتَ أَم فُجِّـرتَ من .................. علْيــا الجِنــان جَـداوِلاً تـتَرقرقُ?
وبــأَيِّ عَيْــنٍ, أَم بأَيَّــة مُزْنَــةٍ ..................أَم أَيِّ طُوفــانٍ تفيــض وتَفْهَــقُ?
وبأي نَــوْلٍ أَنـتَ ناسـجُ بُـرْدَةٍ .................. للضفَّتيْـــن, جَديدُهــا لا يَخــلَقُ?
تَسْـــوَدُّ دِيباجًـــا إِذا فارقتهـــا.................. فـإِذا حـضرتَ اخْـضَوْضَرَ الإِسْتَبْرَقُ
فــي كــلِّ آونــةٍ تُبـدِّل صِبغـةً ..................عجبًــا, وأَنــت الصـابغُ المُتَـأَنِّقُ
أَتَـت الدهـورُ عليـكَ, مَهْـدُكَ مُـتْرَعٌ ..................وحِيــاضُكَ الشُّــرق الشـهيَّةُ دُفَّـقُ
تَسْــقِي وتُطْعِـمُ, لا إِنـاؤكَ ضـائِقٌ .................. بـــالواردين, ولا خــوانُك يَنفُــقُ
والمــاءُ تَسْــكُبُه فيُسْـبَكُ عَسْـجَدًا .................. والأَرضُ تُغْرِقهــا فيحيــا المُغْـرَقُ
تُعيــي مَنـابِعُك العقـولَ, ويسـتوي.................. مُتخــبِّطٌ فــي علمِهــا ومُحــقِّقُ
أَخـلَقْتَ راووقَ الدهـورِ, ولـم تـزل.................. بــكَ حَمْــأَةٌ كالمسـك, لا تَـتروَّقُ
حــمراءُ فـي الأَحـواض, إِلاّ أَنهـا .................. بيضــاءُ فـي عُنُـق الـثرى تَتـأَلَّقُ
دِيــنُ الأَوائِـل فيـك دِيـنُ مُـروءَةٍ.................. لِـمَ لا يُؤَلَّـه مَـنْ يَقُـوتُ ويَـرزُقُ?
لــو أَن مخلوقًــا يُؤَلَّـه لـم تكـن ..................لِســواكَ مَرْتبــةُ الأُلوهَــةِ تَخْـلُقُ
جـعلوا الهـوى لـك والوَقـارَ عبـادةً .................. إِنَّ العبـــادةَ خَشـــيةٌ وتَعلُّـــقُ
دانــوا ببحــرٍ بالمكــارِم زاخـرٍ .................. عَــذْبِ المشــارعِ, مَـدُّهُ لا يُلْحَـقُ
مُتقيِّــــد بعهـــودِه ووُعـــودِه .................. يَجـري عـلى سَـنَنِ الوفـاءِ ويَصدُقُ
يَتقبَّــلُ الــوادي الحيــاةَ كريمـةً .................. مــن راحَــتَيْكَ عَمِيمــةً تتــدفَّقُ
متقلِّــب الجــنبيْن فــي نَعْمائِــهِ .................. يَعْـرَى ويُصْبَـغُ فـي نَـداك فيُـورِقُ
فيبيــتُ خِصْبًـا فـي ثَـراه ونِعْمـة .................. ويعُمُّــه مــاءُ الحيــاةِ الموثق
وإِليـك - بَعْـدَ اللـهِ - يَرجِـع تحتـه .................. مـا جَـفَّ, أَو مـا مـات, أَو ما يَنْفُقُ
أَيـن الفراعنـةُ الأولى اسـتذرى بهـم .................. (عيسى), و(يوسف), و(الكَلِيمُ) المصْعَقُ?
المُــورِدونَ النــاسَ مَنْهَـلَ حكمـةٍ .................. أَفْضَــى إِليــه الأَنبيــاءُ ليَسـتقوا
الرافعــون إِلــى الضحـى آبـاءَهم .................. فالشـمسُ أَصلُهـمُ المَضِيءُ المُعْرِقُ
وكأَنمــا بيــن البِــلى وقبــورِهم ..................عهــدٌ عـلى أَنْ لا مِسـاسَ, ومَـوْثِقُ
فحجـابُهم تحـت الـثرى مـن هَيْبَـةٍ .................. كحجــابهم فـوق الـثرى لا يُخـرَقُ
بلغــوا الحقيقـةَ مِـنْ حيـاة علمُهـا .................. حُجُــبٌ مُكَثَّفَــةٌ, وسِــرٌّ مُغلَــقُ
وتبيَّنـوا معنـى الوجـودِ, فلـم يَـرَوْا .................. دونَ الخـــلودِ ســـعادةً تَتحــقَّقُ
يَبنــون للدنيــا كمــا تَبنِـي لهـم .................. خِرَبًــا, غـرابُ البَيْـن فيهـا يَنْعَـقُ
فقصــورُهم; كُــوخٌ, وبيـتُ بَـداوةٍ .................. وقبــورُهم; صـرْحٌ أَشَـمُّ, وجَوْسَـقُ
رفعــوا لهـا مِـنْ جَـنْدَلٍ وصفـائحٍ .................. عَمَــدًا, فكــانت حائطًـا لا يُنْتَـقُ
تتشــايعُ الــدَّاران فيـه: فمـا بـدا .................. دُنْيـا, ومـا لـم يَبْـدُ أُخـرى تَصْدُقُ
للمــوتِ سِــرٌّ تحتَــه, وجِــدارُه.................. سُـورٌ عـلى السـرِّ الخـفيِّ, وخَـنْدَقُ
وكــأَنَّ مــنزلهم بأَعمــاقِ الـثرى.................. بيــن المحلَّــةِ والمحلَّــةِ" فُنْــدُقُ
مَوْفــورةٌ تحــت الـثرى أَزْوَادُهـم .................. رَحْـب بهـم بيـن الكهـوف المُطْبِـقُ
ولِمَـنْ هيـاكلُ قـد عـلا البـاني بها .................. بيــن الثريَّــا والــثَّرى تتنَسَّـقُ?
منهــا المشـيَّدُ كـالبروجِ, وبعضُهـا.................. كــالطَّوْدِ مُضطَّجِــعٌ أَشَـمُّ مُنَطَّـقُ
جُــدُدٌ كــأَوّلِ عهدهــا, وحِيالَهـا .................. تتقــادَمُ الأَرضُ الفضــاءُ وتَعْتُـقُ
مِــنْ كـلِّ ثقْـلٍ كـاهلُ الدُّنيـا بـه .................. تَعِـبٌ, ووَجْـهُ الأَرضِ عنـه ضَيِّـقُ
عـال عـلى بـاع البِـلى, لا يَهتـدِي .................. مــا يَعتــلِي منــه ومـا يَتسـلَّقُ
مُتمكِّـنٌ كـالطودِ أَصـلاً فـي الـثرى.................. والفـرعُ فـي حَـرمِ السـماءِ مُحـلِّقُ
هــي مــن بنـاءِ الظلـمِ, إِلا أَنـه .................. يَبيَـضُّ وجـهُ الظلـمِ منـه ويُشْـرِقُ
لــم يُـرْهِق الأُمَـمَ الملـوكُ بمثلهـا .................. فخــرًا لهــم يَبْقَـى وذكـرًا يَعْبَـقُ
فُتِنَــتْ بشـطَّيْكَ العِبَـادُ, فلـم يـزل .................. قـــاصٍ يَحُجُّهُمَــا, ودانٍ يَــرْمُقُ
وتضــوَّعَتْ مِسْـكَ الدُّهـورِ, كأَنمـا .................. فــي كــلِّ ناحيـة بَخـورٌ يُحْـرَقُ
وتقـابلتْ فيهـا عـلى السُّـرُرِ الـدُّمَى.................. مُسْـــتَرْدِيات الـــذلّ لا تَتَفَنَّــقُ
عَطَلـتْ, وكـان مكـانُهنّ مـن العُلى.................. (بِلْقِيسُ) تَقْبِسُ مــن حـلاهُ وتَسْـرقُ
وعَـلا عليهـن الـترابُ, ولـم يكـن .................. يَزْكُــو بِهـنّ سـوى العبـير ويَلبَـقُ
حُجُراتُهــا مَوْطــوءَةٌ, وســتورُها .................. مَهتوكــةٌ, بيــد البِــلى تَتخــرّقُ
أَوْدَى بزينتهــا الزمــانُ وحَلْيهــا .................. والحســنُ بــاقٍ والشـبابُ الـرَّيِّقُ
لــو رُدَّ فِرعــونُ الغـداةَ; لراعـه .................. أَنّ الغَـــرانيق العُــلَى لا تَنطــقُ
خــلع الزمـانُ عـلى الـورى أَيامَـه .................. فـإِذا الضُّحـى لـكَ حِصَّـةٌ والرَّوْنَقُ
لــكَ مــن مواسـمِه ومـن أَعيـادِه .................. مــا تَحْسِـرُ الأَبصـارُ فيـه وتَـبْرَقُ
لا (الفرسُ) أُوتــوا مثَلـه يومًـا, ولا .................. (بغدادُ) فـي ظـلِّ (الرشيد) و(جِـلَّق)
فَتْــحُ الممـالك, أَو قيـامُ (العِجْلِ), أَو .................. يـومُ القبـور, أَو الزفـافُ المُـونِقُ?
كــم مــوكبٍ تَتخَـايلُ الدنيـا بـه يُجْـلَى.................. كمـا تُجْـلَى النجـومُ ويُنْسـقُ!
(فرعونُ) فيــه مـن الكتـائبِ مُقبِـلٌ .................. كالسُّـحْبِ, قَـرْنُ الشـمس منهـا مُفتِقُ
تَعْنــو لعزَّتِــه الوجــوه, ووجهـهُ .................. للشـمسِ فـي الآفـاقِ عـانٍ مُطـرِقُ
آبــتْ مــن السـفرِ البعيـدِ جـنودُه ..................وأَتتْــه بــالفتحِ الســعيدِ الفَيْلَــقُ
ومَشـى الملـوكُ مُصفَّـدِين, خـدودُهم .................. نعــلٌ لفرعــونَ العظِيـم ونُمْـرُقُ

قصيدة وطني لو شغلت بالخلد عنه نازعتني إليه في الخلد نفسي

وطني لو شغلت بالخلد عنه نازعتني إليه في الخلد نفسي

صنت نفسي عما يدنس نفسي                وترفعت عن ندى كل جبسِ
اختلاف النهار والليل ينسي                  اذكرا لي الصبا، وأيام أنسي
وصِفا لي مُلاوةً من شباب                   صُورت من تصورات ومسِّ
عصفت كالصبا اللعوب ومرت              سنةً حلوةً ولذة خلس
وسَلا مصرَ: هل سلا القلب عنها           أو أسا جرحَه الزمان المؤسّي؟
كلما مرّت الليالي عليه                        رق، والعهد في الليالي تقسّي
مستطارٌ إذا البواخر رنت                    أول الليل أو عوت بعد جرس
راهب في الضلوع للسفن فطن              كلما ثرن شاعهن بنقس
يا ابنة اليم، ما أبوك بخيلٌ                   ما له مولعاً بمنع وحبس؟
أحرام على بلابله الدوح..                   حلال للطير من كل جنس؟!
كل دار أحق بالأهل. إلا                    في خبيثٍ من المذاهب رجس
نَفَسي مرجل، وقلبي شراع                بهما في الدموع سِيري وأرسي
واجعلي وجهك (الفنار)، ومجراك..     يد (الثغر) بين (رمل)و(مكس)
وطني لو شغلت بالخلد عنه               نازعتني إليه في الخلد نفسي
وهفا بالفؤاد في سلسبيلٍ                  ظمأٌ للسواد من (عين شمس)
شهد الله، لم يغب عن جفوني             شخصه ساعةً ولم يخلُ حسي
يصبح الفكر و(المسلة) ناديه..            و(بالسرحة الزكية) يمسي
وكأني أرى الجزيرة أيكاً                نغمت طيره بأرخم جرس
هي (بلقيس) في الخمائل صرح          من عباب، وصاحب غير نكس
حسبها أن تكون للنيل عرساً              قبلها لم يُجنَّ يوماً بعرس
لبست بالأصيل حلة وشيٍ                 بين صنعاء في الثياب وقَسِّ
قدّها النيل، فاستحت، فتوارت            منه بالجسر بين عريٍ ولُبس
وأرى النيل (كالعقيق) بواديه           وإن كان كوثر المتحسي
ابن ماء السماء ذو الموكب الفخم       الذي يحسر العيون ويُخسي
لا ترى في ركابه غير مُثن             بخميلٍ، وشاكر فضل عرس
وأرى (الجيزة) الحزينة ثكلى          لم تفق بعد من مناحة (رمسي)
أكثرت ضجّة السواقي عليه             وسؤال اليراع عنه بهمس
وقيام النخيل ضفرن شعر             وتجردن غير طوقٍ وسلس

وقد بلغ عدد أبيات قصيدة شوقي 110أبيات تحدّث فيها عن مصر ومعالمها، وبثَّ حنينه وشوقه إلى رؤيتها، كما تناول الأندلس وآثارها الخالدة وزوال دول المسلمين بها، ومن أبيات القصيدة التي يتحدث فيها عن مصر :

قصيدة قل للرجال

قل للرجال

قُــلْ للرِّجَــالِ: طغــى الأَســيرْ ................طــيرُ الحِجــالِ متــى يَطــيرْ?
أَوْهَــــى جنَاحَيْـــهِ الحـــديـ ....................ـــدُ, وحَــزَّ ســاقَيْهِ الحــريرْ
ذهــــب الحِجـــابُ بصـــبره ..................وأَطــــال حيْرتَـــه السُّـــفورْ
هــــل هُيِّئَـــتْ دَرَجُ الســـما...............ء لــه, وهــل نُــصَّ الأَثــيرْ?
وهـــل اســـتمرَّ بــه الجَنــا................حُ, وهَـــمَّ بــالنَّهْض الشــكيرْ?
وســـما لـمَنزلـــه مــن الــد ..............نيــــا, ومنزلُـــه خـــطيرْ?
ومتـــى تُســـاس بــه الريــا .................ضُ كمــا تُســاس بــه الوكـورْ?
أَوَ كُـــلُّ مـــا عنــد الرجــا ......................لِ لـــه الخـــواطبُ والمهــورْ?
والسَّـــجنُ فـــي الأَكــواخ, أَو .......................سِــجنٌ يقــال لــه: القصــورْ?
تاللـــــــه لــــــو أَن الأَد.......................يـــمَ جميعَـــه روضٌ ونـــورْ
فـــي كـــلّ ظـــلٍّ ربـــوةٌ ......................وبكــــلّ وارفــــةٍ غديـــرْ
وعليـــه مـــن ذَهــبٍ ســيا .......................جٌ, أَو مـــن اليـــاقوت ســورْ
مـــا تَـــمَّ مــن دون الســما ...................ءِ لـــه عــلى الأَرض الحُــبورْ
إِن الســــــماءَ جــــــديرةٌ ......................بـــالطير, وهْــوَ بهــا جــديرْ
هـــي سَــرْجُهُ المشــدودُ, وهـ ....................و عــــلى أَعِنَّتهــــا أَمـــيرْ
حُرِّيَّـــــةٌ خُــــلِق الإِنــــا .....................ثُ لهــا, كمــا خُــلِقَ الذكــورْ
هــاجَتْ بنــاتِ الشــعرِ عــيـ ...................ـــنٌ مــن بنــات النيـل حُـورْ
لـــــي بينهــــن ولائــــدٌ ......................هــم مــن ســواد العيــن نـورْ
لا الشـــعْر يــأْتى فــي الجمــا ...................... ن بمثلهـــــن, ولا البحــــورْ
مـــن أَجـــلهن أَنــا الشــفيـ ........................ ـــقُ عـلى الـدُّمَى, وأَنـا الغيـورْ
أَرجـــو وآمـــل أَن ســـتجـ ........................ ـــري بــالذي شِــئنَ الأُمــورْ
يــا قاســمُ, انظــر: كـيف سـا .......................... ر الفكـــرُ وانتقـــل الشــعورْ?
جــــابت قضيَّتُــــكَ البـــلا ....................... دَ, كأَنهــــا مَثَــــلٌ يســـيرْ
مــــــا النــــــاسُ إِلا أَوّلٌ .................... يمضــــي فيخلُفـــه الأَخـــيرْ
الفكــــرُ بينهمــــا عــــلى ......................بُعْـــدِ المَــزارِ هــو الســفير ْ
هـــذا البنـــاءُ الفخــمُ لــيـ ...................... ـس أَساسُـــــه إِلا الحَــــفيرْ
إِن التــــــي خـــــلَّفْتَ أَمـ ..................... ـسِ, ومــا سِــواكَ لهــا نصـيرْ
نهــــض الخــــفيُّ بشـــأْنها ..................... وســـعى لخدمتهـــا الظهـــيرْ
فـــي ذمـــة الفُضْــلَى هــدى ...................... جِـــيلٌ إِلـــى هـــاد فقــيرْ
أَقبلْــــنَ يســــأَلْنَ الحضـــا ....................... رةَ مـــا يُفيـــد ومــا يَضــيرْ
مــــا السُّــــبْلُ بَيِّنَـــةٌ, ولا ....................... كـــلُّ الهُـــداةِ بهــا بصــيرْ
مـــا فـــي كتـــابكَ طَفْــرَةٌ ....................... تُنْعَـــى عليـــكَ, ولا غـــرورْ
هَذَّبْتَــــهُ حـــتى اســـتقامت .................... مــــن خـــلائقك الســـطورْ
ووضعْتَـــــه, وعلمْـــــتَ أَن ...................... حســــابَ واضعِـــه عســـيرْ
لـــك فـــي مســـائله الكــلا ...................... مُ العـــفُّ والجـــدلُ الوَقـــورْ
ولـــك البيـــانُ الجــذلُ فــي ...................... أَثنائــــه العلــــمُ الغزيــــرْ
فـــي مطلــبٍ خَشِــنٍ, كَــثـ .................... ـيـــرٌ فــي مَزالقــه العُثــورْ
مـــا بالكتـــاب ولا الحـــديـ .................... ــــث إِذا ذكرْتَهُمـــا نَكـــيرْ
حـــتى لَنســـأَلَ: هــل تَغــا .......................... رُ عـــلى العقـــائد, أَم تُغــيرْ?
عشـــرون عامًـــا مـــن زوا ........................ لــك مــا هــي الشـيءُ الكثـيرْ
رُعْـــنَ النســاءَ, وقــد يَــرُو ........................ عُ المُشْـــفِقَ الجـــلَلُ اليســـيرْ
فنَسِــــينَ أَنــــك كــــالبدو ......................... ر, ودونَ رِفعتِــــكَ البُــــدورْ
تفنـــى السِّـــنون بهــا, ومــا ...................... آجالُهــــــا إِلا شــــــهورْ
لقــــد اختلفنــــا, والمُعـــا ......................شِـــرُ قـــد يخالفــه العَشــيرْ
فــي الــرأْي, ثُــمّ أَهــاب بـي ..................... وبــــك المُنـــادِمُ والسَّـــميرْ
ومحـــا الـــرَّوَاحُ إِلــى مغــا ......................... نــي الــودِّ مــا اقـترف البُكـورْ
فــي الــرأْي تَضْطَغِــنُ العقــو ....................لُ وليس تَضْطَغِــــنُ الصـــدورْ
قـــل لــي بعيشِــك: أَيــن أَنـ ......................... ـــت? وأَيــن صـاحبُك الكبـيرْ?
أَيـــن الإِمـــامُ? وأَيـــن إِسـ ....................... ـمـــاعيلُ والمـــلأُ المنـــيرْ?
لمـــا نـــزلتم فـــي الــثرى ..................... تــاهت عــلى الشــهب القبــورْ
عصــــر العبـــاقِرةِ النجـــو ........................ مِ بنـــوره تمشـــي العصــورْ

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More

 
Design by Free WordPress Themes | Bloggerized by Lasantha - Premium Blogger Themes | 100 Web Hosting ta3rib : Abed