الثلاثاء، 30 أبريل 2013

حياة شوقي وثقافته

حياة شوقي وثقافته

وملامح شخصيته

الباب الأول

الفصل الثاني : فترة المجد في حياة شوقي


الفصل الثالث : العاطفة الهادئة المركزة التي تنأي عن الصخب

الفصل الأول


مرحلة التعليم


يدخل شوقي في الرابعة من عمره كتاب " الشيخ صالح " ويبدو أن الدراسة في
هذا الكتاب كانت سيئة تعتمد علي التلقين والحفظ في التعليم ، والعصا ، أو
ما هو أقصي منها في التربية ، وهذا ما جعله يصرح بأن إدخاله الكتاب كان "
من أهلي جناية علي وجداني " وينتهي شوقي من دراسة المرحلة الثانوية في سن
مبكرة " سنة 1885 م " ثم ينتهي من دراسة الحقوق والترجمة عن الفرنسية "
سنة 1889 م " وكان في أثناء دراسته للحقوق يتلقى نوعاً أخر من الدراسة
الأدبية ، فقد تتلمذ علي يد الشيخ حسين المرصفي أستاذ البارودي أيضاً وقرأ
معه كتاب " الكشكول " لبهاء الدين العاملي وشعر البهاء زهير وكذلك اتصل
شوقي في هذه المرحلة بالشيخ حفني ناصف وتتلمذ عليه سنتين .

ومع انتهاء شوقي من دراسته الحقوق تكون موهبته قد نضجت وأعلن ميلاد شاعر جديد لمصر .

وصلة شوقي الوطيدة بالقصر ، وبالخديوي توفيق ، أهلته لبعثه يدرس فيها
الحقوق في فرنسا أوائل سنة 1891 م ، حيث قضي سنتين في باريس وثالثة في
مونبلييه ، وكان هدف توفيق من هذه البعثة أن يصقل موهبته ، ليكون شاعره "
الخاص " المسبح بحمده ، والمتحدث باسمه لذلك يطلب منه في إحدى رسائله أن
يتمتع بمعالم المدينة القائمة أمامه وأن " تأتينا من مدينة النور باريس
بقبس تستضئ به الآداب العربية .

علي أن شوقي – فيما يبدو – كان يقف من الأدب ومذاهبه موقف الهاوي المتذوق
، يتأثر بشعراء أو بجوانب من فنهم ، وليس بسمات محددة " لمذهب بعينه " وقد
صرح منذ وقت مبكر بإعجابه بثلاثة شعراء فرنسيين علي اختلاف اتجاهاتهم وهم
( فيكتور هوجو – ألفرد دي موسيه – لامرتين ) ، وفي أواخر حياته سنة 1921 م
كان شعراء العربية عنده آثر من أي شاعر أخر وننتهي إلي أن تأثر شوقي
بالآداب الغربية لم يكن منظماً ، بحيث يبدو واضح المعالم في أدبه بصفة
عامة باستثناء " شكسبير " الذي تتبعه بدقة في مسرحيته " كيلوباترا " .
الفصل الأول : في مرحلة التعليم

الفصل الثاني
فترة المجد في حياة شوقي وفنه


يعود شوقي من بعثته أواخر سنة 1893 م بعد وفاة الخديوي توفيق ، ليعمل في
معية عباس حلمي الثاني بعد أن أقنع به وهما يقتربان بحكم السن بدرجة
تذكرنا بعلاقة المتنبي بسيف الدولة الحمداني ، وتشهد الفترة من سنة 1893 :
1914 م ، سنوات المجد الاجتماعي والأدبي بالنسبة لشوقي .

فمن الناحية الاجتماعية كان شوقي شخصيه مرموقة في بلاط الخديوي ، وصار من
أقرب المقربين إليه ، يوفده مندوباً عنه إلي الخارج ، ويحضره ندواته
واجتماعاته السياسية باعتباره أحد رجاله ، ونتيجة لهذا التقارب , كان شوقي
فيما يبدو – المعبر برضي واقتناع – عن سياسة القصر ومدح الخديوي ، وتحددت
صلته برجال الأمة وزعماء السياسة بحسب قربهم أو بعدهم من القصر .

الناحية الفنية :

فقد أسهم شوقي في الإحياء الشعري وبدايات التجديد بمحاولات كثيرة كماً
وكيفاً ، فشعره في هذه المرحلة يمثل مرحلة متقدمة من مراحل إحياء الشعر
العربي التي بدأها البارودي ، حيث صارت الجملة الشعرية أصفي لغة ، وأثري
خيالاً ، وأقوي تركيباً ، محمله طاقه غنائية عذبة ، موظفة عناصر التراث
القديم ومطورة لها ، وهذه العودة إلي مصادر العروبة في الفن هي التي وحدت
" الذوق " العربي حول شعر شوقي ، وأهلته بالتالي ليكون أمير الشعر العربي
سنة 1927 م .

كذلك نجد عند شوقي في أثناء هذه الفترة بدايات للشعر " الوجداني " المعبر عن الزاد مثل قصيدته عن النفس التي يبدأها بقوله :
 وبت تنكرني اللذات والطرب     صحوت واستدركتني ، شيمتي الأدب

ويذكر فيها بعد ذلك :

 وما أنلت بني مصر الذي طلبوا        أوشكت اتلف أقلامي وتتلفني
 فلن تذيب سوي أغمادها القضب       هموا رأوا أن تظل القضب مغمدة
ويكاد ينفرد شوقي أيضاً في هذه المرحلة ، بما يمكن أن نساله بالشعر الوطني
الذي يستلهم تاريخ مصر منذ الفراعنة مشيداً بحضارتها الخالدة ، وتاريخها
العريق تعبيراً عن رغبة مصر في التحرر والاستقلال والقيام بدورها .

الفصل الثالث
العاطفة الهادئة المركزة التي تنأي عن الصخب

وأقتبس هنا ما ذكره الدكتور محمد زكي العشماوي عن هذه العاطفة " إنها
العاطفة الخاضعة لسلطان العقل والفن ، وليست العاطفة المشبوبة بغير قيد أو
شرط ، فالعاطفة مهما بلغ صدقها لا تستطيع وحدها أن تحقق الفن ، إنها عامل
أساسي وجوهري في التجربة الشعرية ، ولكن لابد أن تمتزج بعقل الفنان الخالق
امتزاجاً يحقق الاعتدال والتوازن ، ذلك أن الذي يحدد القيمة النهائية
للعمل الفني هو الفن ، لا العاطفة المشبوبة ، أو الصادقة وحدها .

هنا يختلف شوقي عن حافظ ، فبينما يؤثر شوقي العاطفة الهادئة ، الخاضعة
لسيطرة الشاعر ، والتعبير عن الانفعالات الجياشة الصاخبة ، إذ بحافظ يؤثر
طبيعته الخاصة التي تتمثل في قدرته علي إثارة الانفعال بما يمتلك من عاطفة
مشبوبة ، ومن هدير الخواطر المتدفقة ، ومن اللغة التجسيدية ذات الإيقاع
الخاص والتوتر الخاص ، لغة كلغة الأقدمين ، لغة ترج وتجرف ، ذات موج عال
من الانفعال ، ولكي نخرج من التجريد إلي التحديد ، دعنا نتخير المقطعين
الأولين من رثاء حافظ وشوقي لسعد زغلول " توفي 1927 م " ، وقول حافظ :
إيه ياليل هل شهدت المضابا  كيف ينصب في النفوس انصبابا
 أن الرئيس ولي وغابا   بلغ المشرقين قبل انبلاج الصبح
 وانع للنيرات سعداً فسعد  كان أمضي في الأرض منها شهابا

يقول شوقي :
 شيعوا الشمس ومالوا بضحاها وانحني الشرق عليها فبكاها
 " يوشع " ، همت ، فنادي ، فثناها   ليتني في الركب لما أفلت

علي أن الذي أكسب الصورة روعتها ، ومنحها هيبتها تلك العلاقات التي تآلفت
من كلمات البيت والتلاؤم الموسيقي بين " شيعوا " و " مالوا " وبين " أنحني
الشرق عليها " ثم بين " ضخاها " و" بكاها " ، ثم انتشار حروف المد علي طول
البيت بإيقاع متناغم ، هذا التلاؤم لا ينصرف تأثيره إلي مدي تفاعل هده
الأصوات ، بل بالإحساس العام الذي ينتهي إليه البيت ، وبالموجة الهادئة
التي تخطوا خطوات حزينة وفي نغم موقع .

فإذا انتقلنا إلي البيت التالي ، وجدنا شوقي يستعين في إشاعة الحزن
بمهارات أخري ، فاستعاد موقف النبي " يوشع " الذي طلب من ربه أن يؤخر له
مغرب الشمس فاستجاب له ربه ، فليت شوقي كان في موقف يوشع ، حين همت الشمس
بالغروب ، فنادي ربه فاستجاب له ، فثناها عن الغروب ، استطاع شوقي
باستعارة موقف يوشع أن يعبر عن حسرته لاغترابه وحرمانه من تشييع جنازة سعد
، ومن جزعه لفراقه . ومن إدراكه للخسارة التي تكبدها الشرق كله بموت سعد ،
والتي كانت تحتاج إلي معجزة تؤخر حدوثها .

ويكفيك أن تقرأ البيت الثاني مره ثانية ، لكي تري ما فعله شوقي بموسيقي
البيت ، حين توالت كلمات بعينها مثل " أفلت " في نهاية الشطر الأول ، ثم "
همت " " فنادي " " فثناها " في الشطر الثاني ، ثم أليس العطف بالفاء – هو
الأخر ، قد منحنا الإحساس أمام حدث جلل ، يوشك أن يقع ، ولا بد من تفاديه
بأي ثمن ... ولعلنا بهذا الشاهد نكون قد أوضحنا ما عنيناه من قبل حين قلنا
، أن عاطفة شوقي ليست مدفوعة بغلبة الانفعال الصاخب ، أو الحاد ، ولكنها
العاطفة التي يحكمها عقل الفنان الخالق وأرادته الفنية حين يسيطران علي
التجربة ، ويخضعان لسلطانهما ، أقول ، ومن اليسير أن نربط بين هذه العاطفة
وبين " موقف " شوقي من التجديد ، بهذه الدرجة من الهدوء أخذ من التجديد ما
يتواءم مع مزاجه والأمر يختلف مع حافظ .

الباب الثاني



الفصل الأول : الاعتماد علي الإيقاع الموسيقي اعتمادا واعيا بوظيفته في المعني
الفصل الثاني : تدفق الصور الفنية المنبثقة من الصورة العامة للعمل الفني
الفصل الثالث : كيف كان شوقي ينظم شعره ؟
الفصل الرابع : من المعاني الوطنية في شعر أحمد شوقي


الفصل الأول
الاعتماد علي الإيقاع الموسيقي
اعتمادا واعيا بوظيفته في المعني

حديثنا عن موسيقي شوقي هو ركيزة البحث ، لأننا نبحث عن خصائص موسيقاه من
خلال فنون البديع ، وهنا . سنتكلم عن " الموسيقي العامة التي تندرج تحتها
فنون البديع الإيقاعية ، ويجمل الدكتور شوقي ضيف وصف هذه القدرة المتميزة
عند شوقي ، بقوله " ... ولا أبالغ إذا قولت أنني لا أستمع إلي قصيدة طويلة
لشوقي حتى أخال كأنني استمع حقاً إلي " سيمفونية " فموسيقاه تتضخم في أذني
واشعر أنها تتضاعف ، وكأن مجاميع من مهرة العازفين يشتركون في إخراجها ،
وفي إيقاع نغماتها ، ولا أرتاب في أن ذلك يرجع إلي ضبطه البارع لآلات
ألفاظه ، وذبذباتها الصوتية ، وليست المسألة مسألة حذق أو مهارة فحسب ، بل
هي أبعد من ذلك غوراً ، هي نبوغ وإلهام ، وإحساس عبقري بالبناء الصوتي
للشعر ، وهذه الروعة في الموسيقي تقترن بحلاوة وعذوبة لا تعرف في عصرنا
لغير شوقي وربما كانت تلك آيته الكبرى في صناعته ، فأنت مهما اختلفت معه
في تقدير شعره ، لا تسمعه حتى ترهف له أذنك ، وحتى تشعر كأنما يحدث فيها
ثقوباً ، هي ثقوب الصوت الصافي الذي تهدر به المياه بين الصخور ، والصوت
يعلو تارة فيشبه زئير البحار حتى تهيج ، وينخفض تارة فيشبه قطرات الفضة
التي تسقط من مجاديف الزوارق ، وهي تجري سابحة علي صفحة النيل ... " .

ولنأخذ مثالاً علي ذلك قصيدة " النيل " التي نظمها سنة 1914م ، يقول فيها :
 وبأي كف في المدائن تغدق                من أي عهد في القرى تتدفق
 من عليا الجنان جداولاً تترقرق          ومن السماء نزلت أم فجرت
وإذا استرسلنا مع بقية القصيدة استخرجنا المزيد من الدرجات الموسيقية ،
المتراوحة بين السرعة حين يكون الحديث عن التدفق والانفجار والانسكاب وبين
الهدوء والتدرج حين يكون عن أثار النيل فيما حوله من قري وحقول وحياض
وبرود مختلف ألوانها .

الفصل الثاني

تدفق الصور الفنية المنبثقة
من الصورة العامة للعمل الفني

وأعني بتدفق الصور ، انبثاقها من بؤرة واحدة ، تنطلق جميعاً هنا وهناك ،
ولكنها ترتبط بصلة وثقي بالمنبع ، وتدور حول فلك الأصل الواحد ولنأخذ
مثلاً لذلك قصيدة " الهلال " التي نظمها في عيد ميلاده الثلاثين ، يقول
فيها :
 لعمره ما في الليالي جديد             سنون تعاد ودهر يعيد
 فكيف تقول الهلال الوليد               أضاء لآدم هذا الهلال
 ويحصي علينا الزمان البعيد           نعد عليه الزمان القريب
علي صفحتيه حديث القري  وأيام عاد ودنيا ثمود
 وطيبة مقفرة بالصعيد                 وطيبة أهله بالملوك
 ويفني ببعض سناه الحديد              يزول ببعض سناه الصفا
 يبيد الليالي فيما يبيد                      ومن عجب وهو جد الليالي
 فيا ليت شعري بماذا تعود ؟           يقولون يا عام قد عدلت لي
لقد كنت لي أمس ما لم أرد              فهل أنت لي اليوم ما لا أريد
 شكي في الثلاثين شكوي لبيد           ومن صابر الدهر صبري له
 كأني " حسين " ودهري " يزيد "      ظمئت ومثلي بري أحق
 وداريت حتى صحبت الحسود          تغابيت حتى صحبت الجهول
نظم شوقي هذه القصيدة في مناسبة عيد ميلاده الثلاثين ، لقد انصرم عام أخر
من عمره ، ومن ثم كان من الطبيعي أن يلقي بنظره إلي الوراء ، ليري حصيلة
هذا العام ، بل ومقدار ما أنجزه في الثلاثين التي مضت ، إنه ليشعر بان تلك
السنون الخالية كانت جميعاً من نمط واحد ، فإحساسه بأن حياته مرت كلها علي
وتيرة واحدة يدفعه إلي إسقاط هذه الرتابة علي الزمن ذاته .

" سنون تعاد ودهر يعيد " هذه هي القضية العامة الذي يستهل بها الشاعر
قصيدته ولفظة " تعاد " تعني أن الدهر يرجع السنين لنا كما هي ، أو يجعلها
تؤوب إلينا كما رحلت عنا ، وهي تعني كذلك أن الدهر " يكرر " هذه السنين ،
وغني عن الذكر ما في المدلولين – وكلاهما مقصود – من صفة الرتابة والآلية
، السنون تعود وتعاد ، ولا شئ جديد .

والهلال يطل علي آدم ، ومن ولد آدم عاد وثمود .

ومن ولده المصريون بأمجادهم ، ومنهم أجداد الشاعر وآباؤه ، وهم العرب
المصريون ، ومن ولدهم الشاعر نفسه ، ومع الشاعر تتقلب الأيام بالأحداث ،
وعما رأته قبيلة عاد وقبيلة ثمود من عز ونعمة ثم دمرتا ، بل لا تختلف عما
رآه الصخر ، لقد كان صلداً فتفتت ، أو الحديد ، كان جلمداً فتذوب ، حتى
وجد الشاعر نفسه وقد شكي شكوي لبيب بعد أن طال به الأجل ، وهو لم يتجاوز
الثلاثين من عمره فهو آدم ، وهو طيبة ، وهو الصفا ، وهو الحديد ، بل هو
الحسين المغتال ، ودهره يزيد الجبار ، ولكن أتري ثمة علاقة بين قومه وقوم
عاد أو ثمود ؟ أتري ثمة علاقة بينه وبين صالح أو هود ؟ ولم لا ؟

أتري ثمة علاقة بينه وبين الهلال ، يضئ للناس في الأرض وهو مقيد بضوء الشمس ؟!

إن ظهور الهلال في عيد ميلاد الشاعر كان تبعاً لتدفق صور لا تنتهي ولو
أراد أن يتعقبها لما توقف عند البيت الثاني عشر ، لأن الدائرة التي رسمها
كانت غنية بالعطاء .

فشوقي كثيراً ما يجنح إلي استقصاء الصور الجزئية المرتبطة بالصورة العامة
لموضوعة وقد يصل بها الشكل النهائي إلي شكل دائري أو غير دائري ، ولكنه
مسبوك سبكاً ، ومتصل اتصالاً ، من كلا طرفيه .

وغني عن البيان أنني قد عرضت للخصائص التي لم يختلف عليها الكثير من دارسي
شوقي وشعره ، ولم أتحري الاستقصاء لانتزاع خصيصة هنا أو هناك ، أو ملمحاً
غاب عن الأذهان فقد احتاج إلي الرجوع إلي هذه الخصائص البارزة ، وقد
تستوقفني خصيصة أخري في ثنايا معالجتي لفنون البديع عند شوقي ، ولكن ما
اسعي إليه هو " بديع شوقي " لا " البديع البلاغي " .

 كيف كان شوقي ينظم شعره ؟

الفصل الثالث



يقول داوود بركات رئيس صحيفة الأهرام في عصره : كانت الحادثة من الحوادث
تقع صباحاً ، فلا يحل المساء حتى تذاع بين الجمهور بقصيدة شوقي ، لأنه كان
للحوادث تأثير شديد فيه ، يهز أعصابه ويستثير نفسه ويحفز خياله . وكان
أكثر ما ينظم الشعر وهو ماش أو واقف أو جالس إلي أصحابه ، يغيب عنهم بذهنه
وفكره ، يجلس إلي مكتبه للتفكير وعصر الذهن ، فإذا جلس إلي المكتب فلتدوين
ما يكون قد نظمه واستوعبه في ذاكرته فبين سيجارة وأخري يجد فكرته ، وبين
كلمه وأخري يجد الظرف الموافق لهيكل الفكرة .

أنه ينظم بين أصحابه فيكون معهم وليس معهم ، وينظم في المركبة وفي السكة
الحديدية وفي المجتمع الرسمي ، وحين يشاء وحيث يشاء ، ولا يعرف جليسه أنه
ينظم إلا إذا سمع منه بادئ بدء غمغمة تشبه النغم الصادر من غور بعيد ، ثم
رأي ناظريه وقد برقا وتواترت فيهما حركة المحجرين ثم بصر به وقد رفع يده
إلي جبينه ، وأمرها عليه إمراراً خفيفاً هنيهة بعد هنيهة ، فإذا قوطع في
خلال النظم انتقل إلي أي حديث يباحث فيه ، حاضر الذهن صافية جميل البادرة
كعادته في الحديث . ثم إذا استأنف ذلك المنظوم ولو بعد أيام طوال عاد إليه
كأنه لم ينقطع عنه مستظهراً ما تم منه ، حافظ لبقية المعني الذي يضمره
ويكتب القصيدة بعد تمامها وربما نسيها شهراً ثم ذكرها فكتبها في جلسة
واحدة .

لم يكن شوقي يختار وقتاً معلوماً لنظم شعره فهو مستعد دائماً لإقتبال ربة
الشعر كي تنزل عليه بإلهامها ، لكن المعروف عنه أنه كثيراً ما ينظم الشعر
بعد قضاء سهراته في المطاعم والنوادي وقد يظل ينظم حتى منتصف الساعة
الرابعة من الصباح ، وكأنه يسوي ليلاً ما صادته شباك ذاكرته نهاراً .

الفصل الرابع

من المعاني الوطنية
في شعر أحمد شوقي


يزخر ديوان شوقي بالمعاني الوطنية المتنوعة ، وقد ضمنت الصحف انتشار
قصائده وسرعة رواجها بين الناس كما ساهمت المناسبات المتزاحمة في ربط
الصلة بين معانيه الوطنية ومعاصريه ، فقد كان حساساً لما يجد علي أرض مصر
من حوادث حتى وهو في منفاه ، يلتقطها ليصدع من خلالها برأي أو موقف .

وقد رأينا أن نقسم هذه المعاني الوطنية في الشوقيات علي النحو التالي :

- نقد الإنكليز والمتواطئين معهم
- الوفاء لتراث مصر
- حب الوطن والتنويه بأبطاله
- استنهاض الهمم
- الإيمان بالشعب وبالمؤسسات والدستور
- التنويه بالثورة العربية
- الدعوة إلي العلم والمعرفة
- التسامح الديني

لئن كانت المعاني الوطنية في شعر شوقي موصولة العري متماسكة الأركان ، إلا
إن الباحث يحتاج إلي تصنيفها والنظر إلي زواياها المختلفة وقد اعتبرت هذه
المعاني الوطنية في مد وجذر بتوجه فيها شوقي بالقول للاستعمار حيناً و إلي
الشعب المصري ومجاهديه حيناً أخر .

لمتابعه الجزء الثاني

لمتابعه الجزء الثالث

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More

 
Design by Free WordPress Themes | Bloggerized by Lasantha - Premium Blogger Themes | 100 Web Hosting ta3rib : Abed